عبد الله الشمري كاتب و باحث سعودي متخصص في الشؤون التركية
الحدث الأبرز عربيا وعالميا هذا الاسبوع هو الشأن المصري الملتهب سواء قبل او بعد اعلان الرئيس المصري محمد مرسي – وعقب تسلمه مشروع الدستور الجديد من الجمعية التأسيسية التي يهيمن عليها انصاره – أن مشروع الدستور سيطرح على الشعب في استفتاء في 15 ديسمبر الجاري وسط مظاهرات تعم ميدان التحرير ومظاهرات مضاده لانصار الرئيس وسط توتر مخيف وتعليقات خطيرة فالتعليق الاول جاء من ابرز شخصيات الاقلية وهو د. محمد البرادعي رئيس حزب الدستور المعارض والذي قال : الدكتور مرسي يطرح للاستفتاء مشروع دستور يعصف بحقوق المصريين وحرياتهم ، يوم بائس وحزين. وكأن ثورة لم تقم وكأن نظاما لم يسقط. لكن الحق سينتصر».
انصار الرئيس يتهمون الطرف الاخر بأنهم اقلية يمارسون (دكتاتورية الاقلية) وان الرئيس اجهض انقلابا ضد الثورة كان يخطط له وكل طرف يتهدد ويتوعد ، والخوف هو اتجاه الطرفين للتشدد والنتيجة ستكون ، تعريض مصر واستقرارها واقتصادها للخطر وسط اصرار كل من الطرفين على المضى قدما فيما يؤمن به وليكن ما يكون ..
لعلنا نذكر الاطراف في مصر ما يروى عن الحوار بين الخليفة عمر بن عبد العزيز وابنه عبدالملك عندما استلم الخلافة بسؤال الابن : مالك لا تنفذ الأمور ؟ ! فوالله ما أبالي لو أن القدور غلت بي وبك في الحق). فالشاب الابن يريد بحماسة ان يقضي على المظالم وآثار الفساد دفعة واحدة ـ دون تريث ولا أناة، وليكن بعد ذلك ما يكون ! فماذا كان جواب الأب الصالح، والخليفة الراشد؟
(لا تعجل يا بني، فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين، وحرمها في الثالثة وإني أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة، فيدفعوه جملة، ويكون من ذا فتنة)
يريد الخليفة الراشد أن يعالج الأمور بحكمة وتدرج، مهتديًا بمنهج الله تعالى الذي حرم الخمر على عباده بالتدريج. وانظر إلى تعليله المصلحي الرصين، الذي يدل على مدى عمقه في فقه السياسة الشرعية: إني أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة، فيدفعوه جملة ! ويكون من ذا فتنة. وهو من قال (إني لأريد الأمر من أمر العامة ـ يقصد ما يتعلق بالجماهير ـ فأخاف ألا تحمله قلوبهم، فأخرج معه طمعًا من طمع الدنيا .. فإن أنكرت قلوبهم هذا سكنت إلى هذا )
ومرة أخرى، يدخل عليه ابنه المؤمن المتوقد حماسة وغيرة، ويقول عاتبًا :،يا أمير المؤمنين، ما أنت قائل لربك غدا إذا سألك فقال: رأيت بدعة فلم تمتها، أو سنة فلم تحيها ؟ فيجيب : رحمك الله وجزاك من ولد خيرًا ! يا بني، إن قومك قد شدّوا هذا الأمر عقدة عقدة، وعروة عروة، ومتى أردت مكابرتهم على انتزاع ما في أيديهم لم آمن أن يفتقوا على فتقًا يكثر فيه الدماء، والله لزوال الدنيا أهون على من أن يراق في سببي محجمة من دم ! أو ما ترضى أن لا يأتي على أبيك يوم من أيام الدنيا، إلا وهو يميت فيه بدعة، ويحيي فيه سنة ؟
بهذه النظرة الواقعية العميقة كان يسوس عمر الأمور، وبهذا الأسلوب المتدرج العاقل كان يعالج الأمـور الصعـبة المعقـدة، وبهذا المنطق القـوي الرصين، أقنـع الأب الراشـد ابنه المتوثب المتحمـس، فهل يستفيد اهل السياسة من هذه التجارب ؟
هل استعجل الرئيس اعلان الدستور ؟ ولماذا ؟ نرجو ان تصل الرسالة واضحة للطرفين فاستقرار مصر استقرار للمنطقة.
المصدر: اليوم