كاتبة سعودية
حكاية ظريفة حول القرود الخمسة هي باختصار: أن مجموعة من العلماء قاموا بوضع خمسة قرود في قفص واحد، ووسط القفص سُلم، وأعلى السُلم وضعوا بعض الموز، وفي كل مرة يصعد أحد القرود الخمسة لأخذ الموز، يقوم العلماء برش الأربعة الباقين بالماء البارد، وبعد فترة بسيطة من تكرار الأمر، أصبح كل قرد يصعد لأخذ الموز يقوم الأربعة الباقون بضربه وشده ومنعه من الصعود، خشية الماء البارد، وبعد فترة بسيطة لم يقم أي قرد من الخمسة بمحاولة الصعود، رغم جوعهم للموز أعلى السلم، خوفا من الضرب والماء البارد، ثم قام العلماء بتبديل أحد القرود الخمسة بقرد جديد، وأول ما قام به محاولته الصعود كي يأخذ الموز، فشده أربعة القرود القدماء وقاموا بضربه ومنعه من الصعود، وكلما حاول قاموا بضربه، حتى استسلم لهم، ولم يعد يحاول الصعود خوفا من ضربهم دون أن يفهم لماذا؟!
بعد ذلك قام العلماء بتبديل قرد ثانٍ من القدماء بآخر جديد، وفعل الأمر نفسه، إذ حاول الصعود لأخذ الموز فوجد “علقة ساخنة” من القرود القدماء الثلاثة والمفاجأة أن القرد الجديد السابق له شاركهم في ضربه ومنعه، دون أن يعرف لماذا يضرب زميله الجديد أو يفهم سبب منعهما من الصعود!! وهكذا استبدل العلماء كل مرة قردا قديما بآخر جديد، ويحصل الأمر نفسه، حتى تم استبدال آخر قرد قديم بجديد، وحين دخل القفص وهمّ بالصعود لأخذ الموز، نزل عليه القرود الأربعة الجدد بالضرب وفورا أنزلوه ومنعوه من أخذ الموز، رغم أنهم لم يعرفوا بقصة الماء البارد أو لماذا كانوا يُضربون ويُمنعون من أخذ الموز!! هكذا حرموا أنفسهم من الموز ونال علقة ساخنة كل من حاول الصعود!! وأصبحت المجموعة التي أخذت هذه العادة من القرود القدماء يفعلون ذلك لا إراديا وتلقائيا دون معرفة لماذا!
أظنّ أن القصة واضحة جدا، وكما يقول الكاتب الإنجليزي فرانك كلارك “العادة شيء يمكنك فعله دون تفكير، وهذا هو السبب في أن معظمنا عنده الكثير من العادات!!”، فهناك من يمارس عادات لا تأتي عليه بمنفعة، لكنه جاء ووجد السابقين يفعلونها، دون أن يفهم لماذا فعلوا ذلك أو ما هي ظروفهم التي أجبرتهم على تلك المواقف!؟ وهناك آخرون يتخذون موقفا معارضا من أمور وقضايا يعرف أنه يحتاج إليها، لكنه يعارضها من باب تبني مواقف الآخرين وتجاربهم ممن استسلم لهم! بمعنى مجرد تقليد أعمى!
والمشكلة أن بعض هؤلاء ممن يمنعون أنفسهم من الفهم واستسلموا لمواقف آخرين أو عادات قدماء يجهلون لماذا يمارسونها رغم أنها تسلبهم حاجاتهم، يأتون ويمارسون الوصاية على من يحاول كسر هذا الجمود والروتين بالتجربة الجديدة، وتراهم يشاركون في حفلة “الشتائم والتصنيفات والتحريض والإيذاء” ضده وهم يجهلون لماذا يفعلون ذلك!
يبدو أن الفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت ميل صدق حين قال “من يسمح للعالم أو ما يخصه منه بأن يختار له الخطة التي تسير عليها حياته، فلا يحتاج إلا لملكة التقليد التي لدى القرود”!
المصدر: الوطن أون لاين