داعية إسلامي من السعودية
ساعات أقل من أصابع اليدين تفصلنا عن انتظام حوالي ثلاثمئة فقيه حكيم من مختلف دول العالم في العاصمة الإماراتية لافتتاح الحدث العالمي المهم (منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة)، برعاية سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، يجيء هذا الحدث “العلمائي” الذي تستضيفه دولة الإمارات العربية المتحدة وسط أمة لا يخطئ الناظر في وضعها أنها تعيش في داخلها وخارجها حرائق، وضغائن، وأحقاد متأججة في جسمها، وبات نسيجها الاجتماعي مهددا بالتفكك، والخراب، وغدت مناعتها في أضعف مستوياتها، وصارت مسرحاً للأطماع والمؤامرات من هنا وهناك..
واضح تماماً أن الأمة تعيش ـ وللأسف ـ صراعات طائفية، لم يمر عليها مثيل لها في العهود الماضية. صراعات لا علاقة لها من قريب، ولا من بعيد بالإسلام ومبادئه التي تقف إلى جانب الاستقرار، وترفض العنف، كذا محاولات لتبريره. جوهر الفكر الإسلامي أصابه ما أصابه، ويكفيه ما أصابه من ضياع لكرامته، وحريته؛ فلا عدل، ولا مساواة، ولا احترام للتعددية، ولا مراعاة لثقافة الاختلاف. المفاهيم يُعبر بها ذات اليمين، وذات الشمال، والفتاوى يصنعها ويضعها مفتوها حسب مصالحهم الخاصة فقط، “… رؤوسا جهالاً فسئلوا، فأفتوا بغير علم؛ فضلوا وأضلوا”. الشيخان: عبدالله بن زايد، وعبدالله بن بية صرحا بتصريحات غاية في الدقة.. راعي المنتدى صرح ـ وفقه الله ـ: “بأن المنتدى دعوة صادقة من أجل النقاش الجاد والبحث عن حلول لما تواجهه الأمة من مشاكل مستمرة، وصلت إلى درجة غاية في الخطورة، يدفعها (فكر متطرف) لا يراعي حرمة الدماء، وأن مواجهة ذلك لا يتم إلا (بفكر معتدل) من خلال التعاون مع علماء المسلمين ومفكريهم وحكمائهم ليكون المنتدى نقطة الانطلاق لتضافر الجهود، وتدارك تفاقم الأوضاع، وحصار (الأفكار المظلمة)”. ورئيس المنتدى صرح ـ حفظه الله ـ : “بأن المنتدى ليس تظاهرة إعلامية وليس حملة علاقات عامة.. وأنه اجتماع ناشئ عن إحساس عميق بالأزمة التي تعاني منها الأمة.. وأنه محاولة جادة لإسماع صوت مغاير، ولإقناع النخبة والشعوب في المجتمعات المسلمة من خلال رسالة واضحة مؤصلة شرعا وعقلا بضرورة إيقاف (لعبة الموت) التي يمارسها المتحاربون في مختلف أنحاء المنطقة، مهما كانت الذرائع والدوافع، ومهما عظمت المصائب والمظالم، وأنه لإيجاد صيغ فكرية ومصلحية تتجاوز الاصطفافات الطائفية والأيدلوجية”.
اليوم وعند الساعة العاشرة صباحاً بتوقيت مكة المكرمة ـ إن شاء الله ـ سيقف على رئاسة المنتدى فضيلة العلامة الشيخ عبدالله بن بية، يعاضده أخوه فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر، وبقية الفقهاء الحكماء أمام فرصة تاريخية، والمهم أنها متحررة وغير مسيسة؛ لنشر رسالة السلم بين البشرية، عبر تشخيص حال الأمة بشيوخها وشبابها، ورجالها ونسائها، ووصف العلاجات الناجعة لحالها بأمر الله، والآليات والبرامج الاستراتيجية، والقرارات المعينة على تبديد المخاوف، وخصوصا أكثر فئات المجتمع ضعفاً وتأثراً؛ الشباب والنساء، الذين لو غيبوا أو استمر تغييبهم عن المشهد ـ لا قدر الله ـ ستسير الأمور عرجاء.. أخيرا أجد نفسي سعيدا للمشاركة في المنتدى، وسعيدا أكثر للالتقاء بنخبة العلماء الذين لم يتيسر أن ألتقيهم في المناسبات الكثيرة التي تقام في المملكة، وما هذا بآخر بركات (السلم) الذي يلزمنا أن نشيعه جميعا في دورنا، وأحيائنا، ومدننا، وبلداننا، وأمتنا، والعالم من حولنا.
المصدر: الوطن أون لاين