كاتب متخصص في الإدارة
يقول مؤلف الكتاب الجميل «الحضارة»، د. حسين مؤنس، الذي حاول فيه دراسة عوامل قيام حضارات الشعوب، ومقومات تطورها، إن لكل أمة صفوتها، وهي أقلية واعية «تقود وتوجه وتبتكر، وتنظر إلى الأمام، وتحسب حساب الحاضر والمستقبل».
باختصار: هذه الفئة معروفة، وتنال احترام الناس عادة، لأنها ليست انتهازية، وتضع مصلحة الوطن نصب عينها، قبل مصلحتها الشخصية، فهي تنطلق برؤيتها لتنمية المجتمع من مبادئ نبيلة راسخة في وجدانها.
هذه الفئة يطلق عليها الفرنسيون لفظ «Elite»، وهو تعبير فرنسي «انتقل إلى كل اللغات الغربية»، بحسب د. مؤنس، وتحمل على عاتقها هم تطوير المجتمع وتقدمه، وقد تبين تاريخياً أن كثيراً ممن قادوا نهضة الأمم من تلك النخب كانوا من «متوسطي الذكاء»، غير أنهم يتطلعون دوماً نحو تحقيق أهدافهم الوطنية أياً كان موقعهم، ومستعدون ليفنوا حياتهم من أجل تلك الغايات السامية.
وكما قال أرنولد توينبي: «لا بد لكل جماعة إنسانية من صفوة، فئة قائدة، لكي تتقدم وتتحسن أحوالها… ومصير تلك الجماعة كلها مرتبط دائماً بهذه الصفوة وأحوالها». ولذا، فإن صفوة المجتمع عادة ما يكابدون عناء مشقة التفكير بتقدم مجتمعهم، فيما ينعم غيرهم برغد الحياة. وكما قال المتنبي:
ذو العقلِ يَشْقَى في النَّعيمِ بِعقلِهِ… وأخو الجَهَالةِ في الشَّقاوَةِ يَنعَمُ
وأسوأ ما يمكن أن تصاب به «نخبة المجتمع» أن تدب بينهم الخلافات، فيتركون أسمى غاياتهم الوطنية، وينشغلون في التناحر فيما بينهم. هنا، تضعف هذه الفئة، وتفقد احترامها، لأنها نسيت المضي في مسيرتها، وتفرغت لرجم كل من يختلف معها بالرأي.
ومن الطبيعي أن يحاول خصوم صفوة المجتمع اصطيادهم في الماء العكر، لكن من غير الطبيعي، ولا المقبول، أن تسعى الحكومات إلى وضع العصا في دولاب أطروحات «رجال الدولة» المشروعة، لأنهم ينابيع تستقي منها البلد مشاريعها. والأسوأ حينما يتم تخوينهم، وربما نفيهم بعيداً عن المشهد العام.
المصدر: الشرق الأوسط