كاتب وإعلامي سعودي
جماعة الإخوان المسلمين من أمهر التنظيمات السياسية في اختيار كوادرها، خصوصاً من طلاب مراحل التعليم الثانوي والجامعي، فهي تركز على مواصفات شخصية لهذه الكوادر، يكون لها القدرة على جذب الأتباع في محيطها التعليمي والمجتمعي وتنتقي المميزين تعليمياً في تخصصاتهم.
نجحت هذه الجماعة ومنذ تأسيسها في التغلغل والسيطرة على الاتحادات والجمعيات في الجامعات العربية، وكلنا يذكر فوز القوائم الإخوانية في انتخابات تلك الاتحادات في الدول التي تسمح قوانينها بالانتخاب في جامعاتها، وكانت تلك القوائم الإخوانية في تنافس وصراع مع القوائم اليسارية في الجامعات العربية التي ضعف تأثيرها بعد هزيمة 76، مما فتح الفضاء الطلابي أمام جماعة الإخوان المسلمين للسيطرة على الجامعات العربية، وكلنا يذكر استخدام الرئيس المصري الراحل أنور السادات في سبعينات القرن الماضي لهذه الجماعة في صراعه مع القوى الناصرية، إذ أطلق قياداتها من السجون وسمح لكوادرها الطلابية بالعمل السياسي هناك، وكانت نتيجة ذلك سيطرتهم على الاتحادات الطلابية في الجامعات المصرية في تلك الفترة.
في حالتنا السعودية ولظروف تاريخية وسياسية كان الحضور الإخواني في مشهدنا التعليمي والجامعي من خلال وجود رموز إخوانية، خصوصاً المصرية والسورية في الجامعات السعودية، وعملت هذه الكوادر بنفسٍ طويل ومنظم لبث الفكر الإخواني في مجتمعنا، والتفت على تعهداتها وأخرجت لنا نسخة إخوانية محلية (سرورية)، واستقطبت الكوادر الطلابية المميزة في جامعتنا، والغريب أنها ركزت على الطلاب أو في أغلبيتهم في التخصصات العلمية من طب وهندسة وزراعة وغير ذلك، إضافة إلى التخصصات الشرعية، وبعد عودة هذه الكوادر السعودية من بعثاتها أصبح لها حضورها السياسي المناهض للدولة، الذي وضح جلياً في حالة غزو الكويت وتحريرها، إذ شنت وقادت هذه الكوادر الأكاديمية هجوماً ومعارضة لموقف المملكة بالاستعانة بقوات أجنبية وصديقة لتحرير الكويت، وكلنا يتذكر رموز هذه الجماعة وخطابها الناري المعارض لذلك من خلال أشرطة «الكاسيت» التي استخدمتها وبنجاح في تجيش المجتمع ضد الدولة، ليتوافق مع موقف التنظيم العالمي للإخوان المسلمين المؤيد لاحتلال نظام صدام حسين للكويت.
بعض هؤلاء الأكاديميين المنتمين للجماعة هم من يدعون المعارضة من الخارج منذ عشرات السنين من مقارهم في بعض العواصم الغربية، كلندن وباريس وغيرهما.
في مرحلة لاحقة صنفت جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية في المملكة، إلا أننا كنا نشاهد بعض رموزها في وسائل الإعلام، والمفارقة أنهم كانوا لا يزالون في مراكزهم الأكاديمية في جامعاتنا، وأثار ذلك الكثير من التساؤلات التي رجحت صعوبة التخلص من هذه الكوادر الحركية في تعلمينا، أو أن بعضهم لم يأخذ هذا التصنيف الإجرامي لهذه الحركة مأخذ الجد واستمروا في نشر فكرهم في جامعتنا.
الأسبوع الماضي اتخذ مجلس جامعة الإمام توصية بعدم التجديد لبعض الكوادر الأكاديمية من سعوديين أو غير سعوديين بشبهة تأييد جماعة الإخوان، وهذه خطوة جادة وعملية في تنظيف جامعتنا من هذا الفكر الحركي، وأتمنى أن تحذوا الجامعات الأخرى بهذه الخطوة حتى يتفرغ الأكاديمي لعمله، وألا يكون عمله لأجل أجندات سياسية خارجية، و«يعبي» عقول أبنائنا بهذه الأفكار التي لا تؤمن بالدولة القطرية الوطنية.
نريد هيئة تدريسية تكرس مفهوم المواطنة الحقة والتسامح مع الآخر، هذه ليست دعوة «مكارثية» أو لقطع الأرزاق، ولكنها لحفظ سلمنا الاجتماعي على المدى الطويل، وكلنا يعرف أن بعض الجامعات الغربية تنهي عقود بعض أساتذتها بسبب تغريدات لهم تحمل معاني عنصرية أو خارجة عن أخلاقيات العمل الجامعي الذي قبلوا العمل فيه.
المصدر: الحياة