تجرى تفاهمات في الكونغرس الأمريكي بمجلسيه الشيوخ والنواب، لإعادة النظر في قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب، ودعا 28 سيناتوراً إلى تعديل التشريع وسط حالة من الندم لدى النواب على التسرع في إقرار القانون، وتخطي الفيتو الرئاسي له.
فقد قام 28 من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بقيادة رئيس لجنة العلاقات الخارجية بوب كروكر، ببعث رسالة إلى مقدمي مشروع القانون «جاستا»، السيناتور تشاك شومر وجون كورنين، محذرين من العواقب الوخيمة المحتملة وغير المقصودة لإقرار القانون، في الرسالة التي جاء فيها بحسب مجلة الدفاع الأمريكية «ديفينس ون»: «نأمل أن نعمل معكم بطريقة بناءة، للتخفيف بشكل مناسب لتلك العواقب غير المقصودة»، بينما وافق زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل على استعداده لإجراء تغيرات على القانون «جاستا» في دورة الكونغرس القادمة، بعد انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، وذلك بعد أن حدث تقدم مماثل في مجلس النواب، لإعادة النظر في القانون، حيث أشار رئيس المجلس بول ريان من الحزب الجمهوري، وزعيمة الأقلية الديمقراطية في المجلس نانسي بيلوسي ببعض الانفتاح على إعادة النظر في مشروع القانون في وقت لاحق من الدورة القادمة، وقالت بيلوسي خلال مؤتمرها الصحفي الخاص «أعتقد أنه ربما تكون هناك وسيلة أخرى لإجراء بعض التعديلات التي تعالج الكثير من المخاوف».
ورد السيناتور تشاك شومر أحد الذين قدموا القانون أنه: «منفتح» حيال هذا التعديل، ولكن إلى حد معين فقط، وقال «يجب أن يكون التعديل بشيء لا يضعف مشروع القانون، أو يحد من حق هذه العائلات، للحصول على اليوم الذي يقفون فيه أمام المحكمة والعدالة» «وأضاف في مؤتمر صحفي، أنا مستعد لأن أنظر إلى أي مقترح يقدمونه، لكن ليس لأي مقترح يضر الأسر»، بيد أنه قال «إنه سيعارض اقتراحاً بأن يتم تقليص القانون لينطبق فقط على هجمات 11 سبتمبر 2001»، وتابع «تعرفون ماذا سيفعل ذلك؟ إنه يبلغ الإرهابيين أن يمضوا قدماً فيما فعلوه (الهجوم على الولايات المتحدة) مرة أخرى، ونحن لن نعاقبكم».
بينما اتهم زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل البيت الأبيض لعدم القيام بما فيه الكفاية، للتعبير عن قلقه من التشريع إلى الكونغرس، وقال: «كان ذلك مثالاً جيداً، كما يبدو لي، من عدم التواصل في وقت مبكر حول العواقب المحتملة لهذه التشريعات»، وأضاف «قلت للرئيس كان يجب أن تحدثنا عنها في وقت سابق من ذلك بكثير». وأوضح ماكونيل أنه يشعر بالقلق بشأن العواقب غير المقصودة من هذا الإجراء، قائلاً: «هناك حاجة لإجراء تغييرات على القانون وأنه يستحق مناقشة أخرى».
وأيده بالقول رئيس مجلس النواب بول رايان في ضرورة إعادة النظر في القانون، وقال: «أعتقد أن هناك طريقة يمكننا بها إصلاح ما جرى، بحيث لا يكون لمن يخدم لدينا بأن تحدث لهم مشاكل قانونية في الخارج في الوقت الذي نحافظ على حماية حقوق الضحايا 9/11».
وكان زعيم الأغلبية السيناتور ماكونيل قال في هذا الإطار «كان الجميع على علم من المستفيدين المحتملين، إلا أن أحداً لم يركز حقاً على الجانب السلبي المحتمل من حيث علاقاتنا الدولية».
بينما قال رئيس لجنة العلاقات بمجلس الشيوخ بوب كروكر للصحفيين، إنه تحدث إلى وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ليلة الأربعاء، وقال: «إن السعوديين يهتمون في خيارات التغيير والتبديل في القانون، وهو أمر لا يمكن أن يحدث، إلا بعد انتخابات نوفمبر». وأضاف كروكر حول التعديل الذي يعملون من أجله كحد أدنى، نعمل ليقتصر القانون على هجمات 9/11 «قبل أن يقول» وثمة خيار آخر يتمثل في تغيير العتبات القانونية في مشروع القانون. ولفت السيناتور كروكر إلى أنه تحدث إلى وزيرة الخارجية جون كيري مرتين بعد إقرار القانون، وقال: «واتفقنا على أن أفضل طريقة لحل هذا الإشكال هو عقد اجتماع مع مشرعي ورعاة القانون شومر والجمهوري جون كورنين، جنباً إلى جنب مع ماكونيل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، لمعرفة ما إذا كان بإمكاننا أن نجد خياراً آخر لنزيل الآثار السلبية في القانون، التي تسبب الخوف لبعضنا».
البيت الأبيض، رغم أنه لم يصدر تعليقاً رسمياً على هذا الإجراء، لكن السكرتير الصحفي للبيت الأبيض جوش آرنست قال: «أعتقد أن ما رأيناه في كونغرس الولايات المتحدة هي حالة كلاسيكية من الندم السريع بعد الشراء»، في إشارة إلى ندمهم بعد تمرير القانون.
ورغم أن وزير خارجية السعودية لم يعلق حول الأمر إلا أن السفارة السعودية في واشنطن أصدرت بياناً جاء فيه، «ويحدونا الأمل في أن تسود الحكمة، وأن الكونغرس سوف يتخذ الخطوات اللازمة، لتصحيح هذا التشريع من أجل تجنب العواقب غير المقصودة الخطرة، التي قد تترتب على ذلك».
من جهة أخرى، شرعت مجموعة من المحامين في تحضير أوراقهم القانونية، وتكوين استراتيجيتهم بغرض إدانة السعودية على خلفية أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، بعد يوم من إبطال الكونغرس فيتو الرئيس باراك أوباما على قانون«العدالة ضد الإرهاب» (المعروف اختصاراً باسم «جاستا»)، وقال المحامون: «إن جميع القضايا المرفوعة في هذا الخصوص سيتم تجميعها من قاعات المحاكم في جميع أنحاء الولايات المتحدة، ليتم نظرها بعد دمجها في دعوى واحدة أمام المحكمة الفيدرالية في المنطقة الجنوبية من نيويورك «منهاتن»، بينما قلل خبراء قانونيون من إمكانية أن يكسب محامو الضحايا الدعوى لجهة إدانة السعودية حال وضعها في منضدة المحكمة.
وقال راج بهالا أستاذ القانون الدولي بجامعة كانساس، لصحيفة «نيويورك تايمز»: «رغم أن هناك حديثاً فضفاضاً عن 10 مليارات دولار من الأحكام ضد السعودية، لكن العقبة الأكثر أهمية التي تواجه تقريباً 9000 من المدعين، وهم: مزيج من أفراد الأسر الذين قتلوا في هجمات 11 سبتمبر، ومن المصابين في ذلك اليوم، هو إقناع المحكمة أن هناك أدلة قوية على دور الحكومة السعودية المباشر في الهجمات»، وأضاف «الحكومة الأمريكية – من إف.بي.آي ولجنة لتحقيق في الكونغرس المنفصلة عن 9/11 – أمضوا سنوات، وأنفقوا ملايين الدولارات في التحقيق عن الهجمات، وحتى الآن لم يتم العثور على دليل على المسؤولين السعوديين كانوا من المتواطئين في هذه المؤامرة».
تداعيات اقتصادية
قالت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية، إن التشريع الأمريكي الذي يسمح لأسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر برفع دعاوى قضائية على السعودية، قد يؤدي بشكل ينذر بالخطر إلى إعاقة الاستثمارات الأمريكية في المملكة، كما أنه قد يؤدي إلى بيع أصول تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، مشيرة إلى أن مصرفيين يقولون إنهم يتوقعون أن تتصرف السعودية بحذر، بينما تراقب أي إجراء قانوني. ولكن المخاوف السعودية تقوض احتمال حدوث استثمارات جديدة في الولايات المتحدة، وتزيد من مخاوف تصفية استثمارات سعودية قائمة بالفعل في الولايات المتحدة. وقال مدير صناديق تمويل في الخليج للصحيفة:»إن المستثمرين قد يخططون بالفعل للحد من الاستثمار في الولايات المتحدة«، مضيفاً: «يشعرون بالقلق إزاء تجميد الأرصدة».
وتقول الصحيفة:»إن مسؤولين مصرفيين يقدرون أن معظم استثمارات الحكومة السعودية وأمراء ورجال أعمال موجودة في السعودية، مما يجعل مئات المليارات من الدولارات عرضة للتصفية».
وقال المسؤول المصرفي للصحيفة «من المحتمل أن يسحب أي شخص أو أي مؤسسة لها صلة بالحكومة السعودية أمواله/أموالها من البنوك التي تتخذ الولايات المتحدة مقراً لها. إذا أمرت محكمة أمريكية بمصادرة أموال، فإن ذلك سينطبق على جميع الشركات المسجلة في الولايات المتحدة».
وتقول الصحيفة إنه في أعقاب 11 سبتمبر أعاد مستثمرون سعوديون أموالاً تقدر بمليارات الدولارات إلى بلادهم والشرق الأوسط خوفاً من استهداف أصولهم، وإنه يخشى أن تكون ردة الفعل مماثلة إزاء القرار الجديد.
المصدر: الخليج