أجمعت المواقف السياسية الصادرة عن الفرقاء اللبنانيين إثر انفجار حارة حريك أمس على ضرورة «تحصين الأمن في لبنان وتفويت الفرصة على الساعين لزرع الفتنة من خلال التفجيرات المتنقلة»، في وقت تريث فيه حزب الله في تحميل أي طرف مسؤولية التفجير.
وقال النائب عن حزب الله حسن فضل الله أمس، في تعليق أولي، إن «الدولة اللبنانية معنية بأن تبلغنا نتيجة التحقيقات التي ستجريها»، مؤكدا «أننا لسنا جهة أو فريقا سياسيا يسارع إلى الاستثمار الرخيص أو توجيه الاتهامات يمنة ويسارا». وشدد على أن «هذه اللحظة هي لحظة الوحدة والتضامن الوطني بمعزل عن الانقسامات لدرء الخطر عن البلد»، معتبرا أن «هذا النوع من الإرهاب يضرب كل المناطق اللبنانية، وعلى اللبنانيين أن يشعروا أنهم جميعا مستهدفون، ولذلك فإن المستهدف هو لبنان».
واعتبر نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أن «التفجير الإجرامي الذي جرى في الضاحية اليوم هو جزء من مسلسل ولا يمكن أن نأخذه كعمل خاص أو استثنائي والمستهدف من هذا التفجير هو عامة الناس وليس حزب الله حصرا ورأينا التفجيرات المتنقلة بين المناطق اللبنانية ما يعني أن هناك مخططا يستهدف جميع اللبنانيين وأن ركز على جهة دون أخرى». واعتبر أن «لا قيمة ولا أهمية للجهة المنفذة لأنها خرقاء ومأجورة والأهمية للمشروع المتكامل الذي يريد صرف النظر عن إسرائيل وأضعاف لبنان الصامد أمام إسرائيل». وأشار إلى أن «حزب الله لن يتراشق الاتهامات ولن يرد على الافتراءات». ورأى أن «مخطط الإجرام بكل ألوانه وأشكاله سيشرب الجميع من كأسه المرة والرد عليه هو بالتفاهم السياسي والمسارعة لتشكيل حكومة وحدة وطنية لأننا إذا حصنا واقعنا الداخلي باللحمة تعطل البيئة الحاضنة للإرهابيين واستثمار هذه الأحداث». وقال: «نحن لنا رؤيتنا التي تحدثنا عنها وقلنا بأن حزب الله لا يخشى هذه الأعمال ويواجهها ولكننا نحرص على استقرار البلد وسلامة البلد ولن نهتم إذا كان البعض يعطي تصريحات متوترة وهذا البلد ليس مزرعة لأحد ولا أحد يستطيع أن يلغي الآخر». واعتبر أن «لبنان على طريق الخراب إن لم يكن هناك تفاهم سياسي ولا يمكن أن ننقذه إن لم تتكاتف الأيدي وإن لم يرد البعض أن يعترف هذا الاعتراف فهذا يعني أنه سيجر البلاد إلى الخراب».
وقال الرئيس اللبناني ميشال سليمان بأن «اليد الإرهابية التي ضربت منطقة الضاحية الجنوبية هي اليد نفسها التي تزرع الإجرام والقتل والتدمير في كل المناطق اللبنانية». وأكد على «أهمية تضامن اللبنانيين ووعي المخاطر المحدقة بلبنان والحوار بين القيادات من أجل تحصين الساحة الداخلية في وجه المؤامرات التي تحاك لضرب الاستقرار في الداخل ولمواجهة تداعيات الاضطرابات الحاصلة في المنطقة»، مطالبا المسؤولين الأمنيين المعنيين «تكثيف التحريات والاستقصاءات لمعرفة المحرضين والمرتكبين وإحالتهم إلى القضاء».
من جهته، شدد رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري على «أن الأيدي التي اغتالت الوزير الشهيد محمد شطح هي نفسها التي فجرت في الضاحية بالأمس واليوم وهي التي فجرت في طرابلس»، واضعا التفجير «في سياق المسلسل المؤامرة على لبنان ووحدته ومواطنيه».
وذكّر بري أنه سبق وحذر من «أن أصابع الفتنة والجريمة المنظمة ستتنقل من منطقة إلى أخرى أولا بقصد إرهاب المواطنين وثانيا من أجل التضليل وخلق انطباع بأن ما يجري هو أصابع متعددة للجريمة»، مؤكدا «أننا لا زلنا نعتمد على وعي المواطنين وإيمانهم بحفظ لبنان في وقت تغيب فيه المسؤولية عنا كسياسيين بل نعمل باتجاه بوصلة تضييع لبنان – كل لبنان».
وأشار رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي إلى «أن استهداف منطقة الضاحية الجنوبية بالتفجير، بعد أيام قليلة على التفجير الإرهابي الذي أدى إلى استشهاد الوزير السابق محمد شطح وآخرين، يثبت مرة جديدة أن يد الإرهاب لا تفرق بين اللبنانيين، ولا تريد لهذا الوطن الاستقرار، بل تخطط وتنفذ مؤامرة دنيئة لإغراق اللبنانيين في الفتنة والتخبط بدمائهم الزكية». وناشد «الجميع تغليب لغة العقل، أكثر من أي وقت مضى، وتجاوز الحسابات السياسية ووقف التحدي لكي نتمكن جميعا من التلاقي والتحاور سعيا للخروج من هذا المأزق الخطير»، محذرا من أن «النار المشتعلة في أكثر من منطقة لبنانية تنذر بما هو أسوأ إذا لم نلتق ونتفاهم بعيدا عن لغة التحدي والاستفراد والإقصاء».
وفي إطار الردود المنددة أيضا، اعتبر الرئيس المكلف تشكيل الحكومة تمام سلام، أن التفجير «حلقة جديدة من حلقات استهداف السلم الأهلي، ولا يكون الرد على هذا المخطط إلا بالتزام الوعي والحكمة وتعزيز الوحدة الوطنية». ورأى أن التفجير بعد اغتيال شطح الأسبوع الماضي «برهان جديد للبنانيين جميعا على أن يد الشر التي تعبث بأمننا الوطني، ماضية في مخططها الأسود الرامي إلى نشر الفتنة وزعزعة السلم الأهلي في لبنان». وشدد على أن «الرد على هذا المخطط لتفويت الفرصة على العابثين بأمن بلدنا لا يكون إلا بالوعي والحكمة وبرفع مستوى اليقظة والعمل بصدق، برغم الخلافات السياسية الكبرى، على حماية الوحدة الوطنية وتعزيز الجوامع المشتركة بين اللبنانيين وهي كثيرة».
من ناحيته، رأى رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري، أنه «لا صفة للإرهاب مهما تعددت وجوهه وتنوعت مصادره سوى الإجرام». وقال: إن «الإرهاب الذي يستهدف المدنيين والأبرياء والمناطق الآمنة هو إجرام معزول بالكامل عن أدنى المشاعر الإنسانية وينتسب بالتأكيد إلى أفعال شيطانية هدفها القتل المجاني وإشاعة الخراب والدمار».
وأكد الحريري في بيان، أن «المواطنين الأبرياء في الضاحية هم ضحية جرائم إرهابية وإجرامية تستهدفهم منذ أشهر، وهم في الوقت عينه ضحية التورط في حروب خارجية، وفي الحرب السورية خصوصا، التي لن يكون للبنان ولأبناء الضاحية تحديدا أي مصلحة في تغطيتها أو المشاركة فيها».
ودعا الحريري الأطراف اللبنانية إلى «اعتبار تحييد لبنان عن الصراعات المحيطة، أمرا جوهريا لتوفير الحماية المطلوبة للاستقرار الوطني، وهو القاعدة التي يجب أن يبنى عليها في مواجهة كل أشكال الإرهاب وتضامن جميع اللبنانيين على تحقيق مثل هذه المواجهة»، معتبرا أن الإصرار على زج لبنان في قلب العاصفة الإقليمية هو الخطر الذي يستدرج رياح الإرهاب إلى مدننا وبلداتنا، وقد آن الأوان لكل مسؤول في أي موقع سياسي أن يعي هذه الحقيقة، وأن السبيل الوحيد للدفاع عن لبنان يكون بالعمل على حماية الوحدة الوطنية والتسليم بدور الدولة ومؤسساتها الشرعية في إدارة الشأن الوطني.
وشجب البطريرك الماروني بشارة الراعي جريمة التفجير, داعيا «الفريقين المتنازعين إلى الحوار فورا وإلى اتخاذ خطوات جريئة ومسؤولة من أجل تجنيب لبنان المزيد من الماسي والخسائر التي يخلفها الشر المتنقل بين المناطق اللبنانية». ودعا رئيس حزب الكتائب أمين الجميل القادة اللبنانيين إلى الاتفاق فيما بينهم، وقال: «كلنا معنيون بهذا العمل الإجرامي لذلك يقتضي الأمر أن نلتقي مع بعضنا وأن نتفق على الحد الأدنى من تعزيز المؤسسات الرسمية وإلا المركب سيغرق بكل من فيه ولن يستطيع أي فريق أن يخلص نفسه بنفسه». وشدد رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط، في حديث تلفزيوني، على أن «الأهم اليوم أن تستطيع التوافق على الحد الأدنى من الخطاب اللائق وأن نخرج أنفسنا من هذه الخطابات لتلافي المزيد من الدماء»، معتبرا أن «الحكومة باتت ضرورة وأنا مع تشكيل حكومة تشمل جميع الفرقاء». وأكد جنبلاط «البقاء على موقفه الثابت بحكومة جامعة»، وقال: «لن أعطي الثقة لأي حكومة تستثني أيا من الفرقاء اللبنانيين»، معتبرا أنه «لا بد من حكومة تحاول إخراج العناصر اللبنانية التي تتقاتل في سوريا لنحاول أن نحمي لبنان».
ورأى رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون ان الكل مستهدف، ويوضع في موقع الدفاع عن النفس، وهكذا تبرر كل الضربات». واستصرخ عون «الضمائر الحية للجميع، مسؤولين وغير مسؤولين، لمواجهة هذا المسلسل الرهيب»، وطالب السلطات القضائية أن تحاكم من لديها من الإرهابيين، ومهيبا بالسلطات السياسية «ألا تقدم على أي إجراء يفجر الوضع العام، من خلال قرارات تعسفية واستفزازية، تمس جوهر الدستور وتسهم في تأجيج النار».
واستنكر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع التفجير الذي وقع في حارة حريك وسقط جراءه عدد من الضحايا والجرحى الأبرياء، واصفا هذا العمل بـ«الإرهابي والمجرم». وقال: «نحن ندين كل الأعمال الإرهابية»، مبديا أسفه لـ«تكرار المشهد الدموي المأساوي إلى ما لا نهاية دون وجود رادع ليد الإرهاب». وختم: «حان الوقت للقيادات السياسية في لبنان أن تترفع وأن تتحمل مسؤولياتها تجاه الله، الوطن والشعب إذ أن الوضع لم يعد مقبولا على الإطلاق».
ونددت السفارة الأميركية عبر حسابها على موقع «تويتر» بالتفجير. وجاء في تغريدة نشرتها: «ندين التفجير الإرهابي الذي وقع اليوم في الضاحية، ونتقدم بالتعازي إلى عائلات الضحايا».
وقال السفير البريطاني في تغريدة على حسابه على «تويتر»: «ندين بشكل حازم الاعتداء اللاإنساني الذي وقع اليوم في بيروت والذي أوقع مزيدا من الضحايا بين المدنيين». وأضاف: «أفكارنا مع عائلاتهم وفرق الإنقاذ».
بيروت: الشرق الأوسط