دعا تقرير اقتصادي الجهات المسؤولة عن التعليم في دول مجلس التعاون إلى التركيز بشكل منهجي على التطوير الوظيفي بدلا من النهج الحالي غير المنظم، في الوقت الذي توظف فيه دول الشرق الأوسط وخصوصا دول مجلس التعاون الخليجي استثمارات كبيرة في التعليم من أجل إيجاد حلول للمستويات المرتفعة من البطالة لدى الشباب والفجوة في المهارات بين ما يتعلمه الطلاب وما تطلبه السوق.
وقال التقرير الصادر من «بوز أند كومباني» إن الأنظمة التعليمية في البلدان الصناعية تركز على التطوير الوظيفي بصورة مباشرة وغير مباشرة، حيث إنها تعتمد الاستشارات الوظيفية واختبارات الأهلية الشخصية إلى جانب الأنشطة غير المنهجية، مشيرا إلى أن كل ذلك يرسخ الثقة في نفوس الطلاب ويجعلهم يفهمون أهمية روحية المبادرة وتمنحهم القدرة على استغلال الفرص والدخول في عملية تعلمية طوال الحياة.
وعلى النقيض من ذلك، يعطي النظام التعليمي في المنطقة الأولوية لاستيعاب المعرفة على حساب اكتساب المهارات وفقا لما ذكره التقرير الصادر بعنوان «توعية الطلاب على العمل»، مما يقيّد نظرة الطلاب إلى مستقبلهم.
ويبين التقرير الصادر من «بوز أند كومباني» أن ذلك جاء بحسب دراسة أجريت أخيرا وشملت أكثر من 1300 طالب خليجي، حيث وجدت الدراسة أن الطلاب لا يهتمون إلى حد كبير بالعمل في القطاع الخاص الوطني، وهو الجزء من الاقتصاد الذي ترغب الحكومات في توسيعه. وعوضا عن ذلك، فإنهم يفضلون مسارين وظيفيين مختلفين تماما هما القطاع الحكومي أو الشركات المتعددة الجنسية.
وقالت ليلى حطيط، مديرة في «بوز أند كومباني» «يرى عدد قليل جدا من الطلاب في شركات أو مؤسسات القطاع الخاص الوطني فرصا وظيفية نظرا إلى النقص في التوجيه الوظيفي، كما أن روحية المبادرة لديهم محدودة، سواء كانت تجارية أو مدنية، ولديهم القليل من الخبرة في العمل التطوعي لصالح الجمعيات الخيرية أو منظمات المجتمع المدني. ويؤدي هذا الأمر إلى خسارة الاقتصاد رواد أعمال محتملين ويمنع الطلاب الموهوبين من التحول إلى محدثي ثروات».
وأضافت حطيط «لمعالجة هذه المشكلة، يتعين على بلدان الشرق الأوسط توعية طلابها على العمل ليس فقط من أجل العمل، وسيكون على الحكومات إعادة هيكلة العمل في القطاع العام لتقليص الفروقات مع القطاع الخاص الوطني، ومن الصعب على الشركات في الشرق الأوسط أن تنافس الرواتب الآمنة والكريمة التي يدفعها القطاع العام».
وأكدت أنه سوف يتعين على الهيئات الحكومية تغيير محور تركيزها، حيث تتعقب الكثير من الحكومات التطوير الوظيفي فقط للمتخرجين من خلال برامج تطوير المهارات التي تديرها وزارات العمل في الوقت الراهن، وقالت «تعتبر هذه البرامج مفيدة، بينما يتعين على الحكومات ابتكار مبادرات تطوير وظيفي تتولاها وزارات التربية والتعليم تعلم الطلاب من بداية العملية التعليمية».
من جهتها قالت منيرة جمجوم، كبيرة باحثين في مركز الفكر التابع لـ«بوز أند كومباني» في الشرق الأوسط «بإمكان الحكومات أيضا الاضطلاع بدور المنظم لأصحاب العلاقة أي الوزارات وشركات القطاع الخاص والمعلمين وأولياء الأمور والطلاب أنفسهم. ويتعين على الحكومات التشديد علنا على أهمية التوعية الوظيفية بالنسبة إلى طلاب المنطقة، مع حشد الدعم والمدخلات من أصحاب العلاقة الآخرين».
وأضافت «يتعين على وزارات التربية والتعليم والأجهزة التعليمية الرسمية الأخرى العمل بشكل وثيق مع المعلمين والأكاديميين لتحديث المنهاج. ويتعين عليها استخدام الآليات من داخل المنهاج وخارجه للتشديد على أهمية المسيرة الوظيفية وروحية المبادرة وعمل القطاع الخاص»، مؤكدة في الوقت ذاته أنه يجب تقديم هذه الدروس عن العمل والمسيرة الوظيفية بصورة مستدامة. وتابعت جمجوم «سيكون من الضروري أيضا تغيير معايير المنهاج لتشجيع السلوك الإيجابي حيال العمل والتعلم، ويجب أن تضمن مناهج المستقبل قدرة الطلاب الثانويين على تقدير العلاقة بين مصالحهم وقدراتهم ومهاراتهم الشخصية وتحقيق أهدافهم الشخصية أو الاجتماعية أو التعليمية أو الوظيفية».
وبحسب التقرير فإن للقطاع الخاص مصلحة راسخة في المشاركة في بناء المهارات الوظيفية، ولكن هناك حركة عكسية في بعض أجزاء القطاع الخاص للتراجع والسماح للحكومات بتولي زمام الأمور، والإجابة الأفضل هي في المبادرة إلى العمل وبناء التحالفات مع المدارس والجامعات لتقديم التدريب في أثناء ممارسة المهنة ووظائف الصيف التي ستجعل الطلاب قادرين على الحصول على وظيفة.
ولفتت «بوز أند كومباني» إلى أن الكثير من الطلاب على وجه التحديد يفتقرون إلى هذه العلاقة مع القطاع الخاص وفرصة الحصول على فرص التعلم على غرار فرص التدريب، والتي هي من الأمور الروتينية في البلدان المتقدمة.
وتضطلع الأسر بدور مهم أيضا، إذ أظهر مسح أخير في دول مجلس التعاون الخليجي أن غالبية كبيرة من أولياء الأمور يريدون أن يكون لأولادهم وظيفة آمنة في القطاع العام، غير أنه يمكنهم بدلا من ذلك تشجيع أولادهم على مواجهة المخاطر ودعمهم في حال أرادوا التخلي عن التقليد الأسري بالنسبة إلى مسيرتهم المهنية.
وشدد التقرير على ضرورة إشراك الطلاب في التوعية الوظيفية والتطوير الوظيفي، حيث أشار المسح الخاص بـ«بوز أند كومباني» إلى أن الطلاب الخليجيين يفهمون النواقص في تعليمهم ويريدون الانخراط في عملية إصلاحه، حيث إنه للتوعية الوظيفية الكثير من المنافع، إذ إنها تعد الطلاب بالشكل المناسب للحياة الجامعية وتعلمهم ترتيب دراستهم تبعا لأولويتها والتعلم باستقلالية. وهي قبل كل شيء ترسخ فيهم قيمة التعلم طوال الحياة والتطوير الشخصي، وهي سلوكيات تدفع عجلة الابتكار التي يحتاجها اقتصاد المنطقة.
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط