اعتبر محلل اقتصادي سعودي أن السعودية مدعوة لاتخاذ خطوات أكثر صرامة وجدية في مسألة إعادة هيكلة قطاع الطاقة فيها وتوجيه الدعم في هذا القطاع، الذي يبلغ 135 مليار ريال (36 مليار دولار) سنويا، إلى مستحقي هذا الدعم، وقال إن الأمور إذا سارت على ما هي عليه فستصل السعودية إلى استهلاك 7.8 مليون برميل يوميا، فخلال موسم الصيف الحالي ستستورد السعودية نحو 110 آلاف برميل من البنزين و295 ألف برميل من الديزل يوميا لتوفير الوقود المدعوم حكوميا، الذي يعد استيراده أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية من إنتاجه عبر مشاريع ومصاف محلية.
وقال تركي الحقيل، وهو محلل اقتصادي سعودي مقيم بواشنطن، إن الدعم الحكومي السنوي الذي تقدمه السعودية نحو 135 مليار ريال (36 مليار دولار) لدعم الكهرباء والماء والبنزين.
فكما يتوقع الحقيل أن عدم تغيير السياسات السعودية تجاه الطاقة سيجعل السعودية تستهلك قرابة 5 ملايين برميل يوميا في غضون 3 سنوات فقط، حيث سيقفز الاستهلاك المحلي اليومي للسعودية من 3.86 مليون برميل إلى 4.95 مليون برميل يوميا، مما سيحد من قدراتها التصديرية للمورد الذي يمثل 93% من إيرادات خزينة الدولة.
وأضاف: «الحكومة السعودية مدعوة لمراجعة التعريفات لدعم استهلاك الموارد بقدر أكبر من المسؤولية، الذي في الحقيقة كان له تأثير مباشر على التلوث البيئي».
ويؤكد ضرورة أن تكون هناك إعادة هيكلة للدعم الحكومي للطاقة بأنواعها كافة، بحيث تكون الطبقات الاجتماعية الأقل دخلا هي الأكثر استفادة من الدعم، على عكس ما يحدث في الفترة الراهنة، حيث المستفيد الأكبر من هذا الدعم هم الفئة القليلة من الطبقة العليا في المجتمع، لأن الدعم غير الموجه يتسبب في هدر الموارد وعدم كفاءة الدعم الذي تستفيد منه الطبقة الاجتماعية المحتاجة له.
يقول الحقيل إن السعودية تحاول رفع الكفاءة في استخدام الطاقة، لكن هذا المسعى يتطلب الكثير من العمل، ويضيف أنه ينبغي تغيير طريقة تفكير المستهلكين والمنتجين، على حد سواء، كما ينبغي إعادة النظر في الحوافز السعرية لتوفير مؤشرات السوق المناسبة، ومنح الطبقات المحتاجة إلى الدعم شبكة واسعة من الأمان الاجتماعي وتقديم مساعدات مالية لها في مقابل تحرير أسعار الطاقة الكهربائية والبنزين ورفع تعريفة المياه، لكي تعكس الواقع الحقيقي للإنتاج.
ويعتبر أنه بتنفيذ هذا البرنامج بالشكل الصحيح، سيعدل المستهلكون سلوكهم وفق الحوافز السعرية، وسيعززون إدراكهم أهمية الطاقة عندما ترفع أسعارها بشكل تدريجي.
فبحسب الحقيل، أدت تعريفات الكهرباء والماء المنخفضة وبعض الحوافز المشوهة، إلى تشجيع الأفراد والشركات على الإفراط في استهلاك وهدر الطاقة الكهربائية والموارد المائية.
ويضيف: «هذا الواقع لا بد أن يتغير، من خلال اتخاذ الإجراءات اللازمة لترشيد الاستهلاك»، ويستشهد بأن التعريفة المنخفضة للماء التي تبلغ نحو 0.10 ريال (أقل من 3 سنتات) للمتر المكعب فقط لا تدعم جهود الحفاظ على نظام إنتاج وتوزيع المياه، لذا يجب أن ترفع السعودية مستوى هذه التعريفة بشكل كبير خلال السنوات المقبلة.
ويقدر الحقيل احتياج السعودية إلى استثمار تريليون ريال (266 مليار دولار) على الأقل، في قطاع الماء والكهرباء إلى منتصف العقد المقبل لكي تتمكن من توسيع الطاقة الإنتاجية، بالوتيرة اللازمة لتلبية احتياجات سكانها الذين تزايدوا مؤخرا بنحو 2.5% سنويا.
ويعتقد أن النمو السكاني في السعودية سيستمر بوتيرة تناهز 2% سنويا، مما يعني ارتفاع الطلب على الكهرباء لتلبية احتياجات النمو المتسارع للقاعدة الصناعية، ويرجح أن الحاجة ماسة لاستثمار مبالغ ضخمة في البنى التحتية لقطاع الماء والكهرباء في هذا البلد الذي يتجاوز فيه معدل نمو الطلب على الكهرباء، (وتبلغ ذروة هذا الطلب في فصل الصيف)، معدل نمو إمدادات الطاقة الكهربائية في الكثير من البلدان، وتعتبر السعودية أيضا من أفقر دول العالم في مصادر المياه الطبيعية المتجددة.
ففي جانب الكهرباء والماء، ينمو الطلب بأكثر من 8.8% سنويا، وقد يرتفع إلى أكثر من الضعفين في العقدين المقبلين، كما يتوقع الحقيل، مما سوف سيزيد من الاستهلاك المحلي للنفط، الذي قد يصل إلى نحو 7.8 مليون برميل من النفط المكافئ في نهاية العقد المقبل إذا استمر الحال كما هو عليه اليوم وفي السابق.
ويشير الحقيل إلى إعلان وزارة المياه والكهرباء أنها ستستثمر نحو 300 مليار ريال (80 مليار دولار) في توليد الكهرباء و200 مليار ريال (53 مليار دولار) في مشروعات تحلية مياه البحر، بالإضافة إلى استثمار 200 مليار ريال (53 مليار) في قطاع الصرف الصحي.
ويرى أن مجموع هذه الاستثمارات التي تخطط لها الوزارة، والبالغة 700 مليار ريال (186 مليار دولار)، تمثل بالتأكيد، خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، ولكن ينبغي أيضا التركيز التام على الطاقات المتجددة بأنواعها كافة وحسب جدواها الاقتصادي.
ويشير إلى أن السعودية تتمتع بأطول فترة سطوع شمسي في العام، وقال إن هناك إمكانية لإطلاق برنامج واسع لاستغلال الطاقة الشمسية لكنها لن تكون مجدية، إلا إذا ترافقت مع تحولات جوهرية في الثقافة والوعي والسلوكيات الاستهلاكية وإلا فسوف يتطلب زيادة حجم الإنفاق على المياه والكهرباء بنحو الثلث، على الأقل، لكي تتمكن السعودية من تلبية الطلب المحلي بارتياح.
توقع الحقيل أن يصل عدد سكان السعودية إلى نحو 32 مليون نسمة بحلول عام 2020، مما سيفرض ضغوطا إضافية على شبكة الكهرباء السعودية، وقال إن فرض تطبيق معايير معمارية عالية على الوحدات السكنية سيكون عاملا حاسما، ويشير إلى أن 70% من الوحدات السكنية في السعودية تعاني في الوقت الحالي سوء العزل الحراري، الأمر الذي يجهد شبكة توزيع الكهرباء، بسبب استخدام المكيفات بشكل مكثف، وأشار إلى أمر آخر وهو أن كفاءة أجهزة التكييف في السعودية تساوي ثلث كفاءة نظيراتها في الاقتصادات المتقدمة، وأوضح أن 65% من استهلاك الكهرباء في المنازل السعودية يذهب إلى تشغيل أجهزة التكييف.
وقال: «إن قطاعي الماء والكهرباء، اللذين يستهلكان نصف كميات النفط التي تتجه للسوق السعودية، بحاجة لتحسينات ملحة وجوهرية، وحقيقة فالسعودية تستهلك 3.4 مليون برميل من النفط يوميا، نصفها يذهب لإنتاج الماء والكهرباء، حيث تستهلك المؤسسة العامة للتحلية قرابة 300 ألف برميل من النفط المكافئ يوميا».
ويتوقع الحقيل أن تتراجع الصادرات النفطية السعودية في فترة الصيف عن معدلاتها الحالية المقدرة بنحو 7.4 مليون برميل يوميا، وذلك نتيجة نمو الطلب المحلي على الكهرباء في فترة الصيف، بينما لا تزال الصورة غير واضحة حول عمل حقل «كران» بطاقته الإنتاجية كاملة لتخفيف الضغط على النفط.
وينصح الحقيل راسمي السياسات المالية والاقتصادية في السعودية بضرورة التحول من اقتصاد يعتمد بشكل مفرط على النفط إلى اقتصاد قائم على مصادر الطاقة المستدامة والذي يعتمد على مصادر الطاقة المتجددة والناجعة اقتصاديا على المدى البعيد.
ويضيف: «ينبغي أن يكون الهدف، هنا، استخدام جزء من عائدات النفط لتحقيق هذا التحول، كما ينبغي التركيز في هذا السياق على طريقة الدولة في استخدام عائدات النفط لإعادة هيكلة اقتصادها وليس لمجرد توليد إيرادات لخزينتها».
فبحسب الحقيل، إذا لم يتم استخدام عائدات النفط لزيادة إيرادات الدولة مع الاستغناء عن الدعم الحكومي، فإن المضاعفات المالية لباقي قطاعات الاقتصاد لن تتحرر.
هنا، يشدد على أنه لا بد من إطلاق العنان لقطاعات أخرى لكي تتمكن من استغلال الإمكانات غير نفطية. بعبارة أخرى، فلا ينبغي النظر إلى الاستثمارات في الطاقة المتجددة كمصدر لتخفيف أعباء الخزينة، وإنما كمصدر جديد للناتج الاقتصادي المستدام في مرحلة ما بعد النفط.
ويعتبر الحقيل أن الوضع الراهن أو السيناريو المعتاد لم يعد فعالا، فبموجب النسب الحالية لنمو الاستهلاك المحلي للطاقة، ستستهلك السعودية من النفط أكثر مما ستصدر بحلول عام 2028. وبما أن نحو 93% من إيرادات الدولة تأتي من تصدير النفط، فإن مستقبل السعودية في مجال الطاقة ينبغي أن يحتل رأس قائمة أولوياتها لدى صانعي القرار، وقال إن الفرصة مواتية في الظرف الراهن لتغيير هذه السياسات، حتى وإن كانت التكلفة قد تبدو باهظة.
كما يشير الحقيل إلى أن التقديرات تضع معدل استهلاك الفرد السنوي في السعودية من البنزين عند 950 لترا سنويا، وهو أعلى معدل استهلاك للبنزين في العالم، في مقابل الاستهلاك العالي للبنزين فإن أسعاره في السعودية لا تعكس السعر العالمي له.
ويشدد تركي الحقيل على أن تعزيز الكفاءة في استهلاك الطاقة سيخفف عبء الاستهلاك المحلي للنفط المستهلك في إنتاجها، وهو الاستهلاك الذي نما بسرعة كبيرة خلال السنوات الأخيرة، وحد من قدرة أكبر منتج للنفط في العالم على التصدير، متوقعا أن يصل الطلب المحلي السعودي من 3.86 مليون برميل من النفط المكافئ يوميا في 2013 إلى 4.94 مليون برميل من النفط المكافئ يوميا في عام 2016 في حال استمر الوضع وسياسات الدعم كما هي الآن، ويضيف: «هذا الاستهلاك المحلي للطاقة جعل المملكة تستهلك من النفط المكافئ أكثر من ما يستهلكه الاقتصاد الألماني الصناعي، الذي يعد سكانه ثلاثة أضعاف عدد سكان السعودية واقتصاد يقارب خمسة أضعاف الاقتصاد السعودي».
ويشير الحقيل إلى أن هناك نحو 18 اقتصادا ينفق أكثر من 5% من إجمالي ناتجه المحلي على دعم الطاقة أو ما يعادل 1.9 تريليون دولار، مما يتسبب في خلق مشاكل في الموازنات العامة لهذه الدول، لأن الاستدامة المالية لاقتصادات هذه الدول مهددة على الدوام، لا سيما اقتصادات دول الخليج، والسعودية تحديدا لاعتمادها الأساسي على الإيرادات النفطية في موازناتها المالية وإنفاقها الكبير غير المستدام، والحقيقة التي يجب أن تعيها هذه الدول أن أسعار النفط قابلة للانخفاض في أي وقت.
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط