كاتب إماراتي
كنت في السابق كلما مررت بـ«مقبرة القصيص» في طريقي من دبي إلى الشارقة على شارع «الشيخ محمد بن زايد»، أتذكر الحديث المأثور «السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم السابقون ونحن اللاحقون»، وأغير قناة الراديو من أم القيوين إف إم، إلى إذاعة القرآن الكريم.. أما اليوم فكلما مررت بها فإنني أنسى تلك الطقوس، لأنني أكون مشغولاً بمحاولة استراق النظر إلى داخل المقبرة ورؤية القبور المفتوحة التي يخرج أصحابها للعبث في المدن والمناطق كل يوم!
أصبحت أتلقى في كل يوم ست أو سبع قصص ورسائل، عن الذي خرج من القبر ليبصق في وجه ابنه تارك الصلاة، وعن ذلك الذي خرج من القبر لينتقم من عامل محطة البترول الذي سرق إصبع «التويكس» من سيارته، كلهم يخرجون في كل يوم حتى إنني أصبحت أشك ـ كلما دخلت المنزل ـ في أنني سأجد «الأسلاف الطاهرين» جالسين ينتظرونني، لكي يقرصوا أذني، ويطالبوني بنزع «بوستر» ماريا كيري من على دولاب أحذيتي!
هل الغاية تبرر الوسيلة لدينا كمسلمين؟! هل يحق أخلاقياً وشرعياً لدعاة أو أناس يريدون الإصلاح في المجتمع، أن يمتهنوا الكذب وتأليف القصص المرعبة غير الحقيقية، لأنهم يرون أن هذا طريق مشروع لدفع الناس إلى التوبة، «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا»، ومن طيب القول والحديث ألا يكون إلا صادقا،
أما الأحلام فحدث ولا حرج، في كل يوم وفي كل مكان «حدثنا من نثق به، بأنه كان نائماً فجاءه في الحلم ابنه، الذي كان يفعل كذا وكذا، فوجد أن وجهه أسود، فذهب في الليل إلى قبره، وفتح القبر وفوجئ بأنه يُعذب»، والمزعج أن بعض الناس الذين لهم احترامهم في المجتمع يكررونها، بالله عليكم نحن نسمع صوت «القطو» ليلاً فنشرد إن لم نكن في جماعة، فكيف وجد والد (ذلك الشاب الذي كان يفعل كذا وكذا) الشجاعة على الذهاب إلى المقبرة بمفرده ليلاً؟! خصوصاً ونحن معروفون بأننا الشعوب الوحيدة على ظهر الأرض التي تخاف من الأموات أكثر من الأحياء، ثم ما قصة هذه العبارة التي تقال بكل سهولة: «وأخرجه من القبر»؟! ما يمنحك إحساساً بأنه ذاهب إلى «سب ـ واي»، يختار ما يريد ويخرجه من الثلاجة! ألا توجد حراسة.. حفارون.. مطبات؟!
وما قصة هؤلاء الأموات، الذين لا عمل لهم سوى الظهور في أحلام الآخرين على مدار الساعة؟! 20 عاماً أنتظر طيفها أن يزورني «وما الطيف إلا ما تريه الخواطر»، كما يقول البارودي رحمه الله!
الدعوة إلى الحق لا تكون إلا بالصدق، والدفاع عن الحق لا يكون إلا بالطيب من القول.. اللهم ارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه!
المصدر: الامارات اليوم