كاتب و أكاديمي متخصص في الإعلام الجديد
يستطيع الصحفي – في عصر الإعلام الجديد – أن يتحول إلى وسيلة إعلام متنقلة مستخدما “تويتر” لنقل أخباره السريعة و”يوتيوب” لنشر فيديوهاته. هذه الحقيقة بدأت تحول كثيرا من الإعلاميين حول العالم إلى أسماء بارزة Brands يبحث عنها الجمهور، لأنهم يثقون في هذه الأسماء ويستمتعون بما تقدمه من معلومات وأخبار وآراء.
لكن هذا التطور له ما بعده، وهو تطور ستكون له آثار جذرية على المهنة الإعلامية والمؤسسات الصحفية في المستقبل القريب. هذا التطور سيعني باختصار أن المؤسسة الصحفية ستتحول إلى كيان تقتصر مهمته على جمع الأسماء اللامعة (أو النجوم الصحفيين) وتقديمهم للجمهور، ويصبح نجاح المؤسسات الصحفية مقتصرا على قدرتها على اجتذاب الأسماء بما توفره لهم من خدمات وأولها طبعا الربح المادي.
هذا يحصل حاليا مع نجوم كتاب الرأي، ونجوم المذيعين التلفزيونيين، ونجوم الكوميديا، ولكنه بفضل الشبكات الاجتماعية والتغير السريع في المهنة الإعلامية سيتحول إلى ظاهرة عامة تشمل الصحفيين والمراسلين، كل بحسب قدرته على بناء اسمه وشهرته وسط الجمهور.
لقد استطاع “يوتيوب” أن يكسر الحواجز ويقلل حلقات الوصل بين النجم والجمهور. صار النجم يطرح ألبومه الموسيقي أو مقطعه الكوميدي على الموقع، ويشاهده الجمهور ويحصل على الإعلان مباشرة من المعلن الذي يريد أن يربط نفسه بنجاح هذا النجم. الأمر نفسه سينتقل إلى الصحفيين والإعلاميين، الذين سيكتبون مباشرة للجمهور من خلال منصات مخصصة لهذا الأمر والتي يوجد أكثر من عشرة منها حاليا (باللغة الإنجليزية فقط)، ويحققون المقابل المادي من المعلنين الذين يخصصون إعلاناتهم بصحفي معين، أو من خلال المواقع والصحف التي تدفع مقابل نشر نسخة من هذا المحتوى.
هذا الاتجاه بدأ في الحقيقة قبل حوالي 12 سنة عندما اتجه عدد من كبار الإعلاميين الأميركيين لترك المؤسسات الإعلامية وفتح “مدونات” لهم تنقل مقالاتهم وأخبارهم فقط. كانت الفكرة جذابة وحققت الكثير من النجاح، ولكن كان ينقصها النجاح المادي.
قبل سنوات فقط، ظهر موقع هفنجتون بوست Huffingtonpost.com والذي جمع إنتاج هؤلاء المدونين، كل باسمه وصورته وصفحته الخاصة في موقع واحد، وحقق هذا الموقع نجاحا باهرا إلى أن اشترته أميركا أون لاين وطورته في مؤسسة صحفية متكاملة، صدر منها عدد من النسخ بلغات متعددة حتى الآن.
في رأيي الشخصي هذا التطور ليس إيجابيا دائما، لأنه يقلل من قدرة المؤسسة الإعلامية على الضغط على الإعلامي لصالح المبادئ المهنية والمصالح الوطنية، ويشجع الإعلامي على بذل كل ما يمكن لتحقيق الجماهيرية والشعبية حتى لو كان ذلك على حساب المبادئ والقيم الإعلامية.
من ناحية أخرى، هو تطور يشجع الإعلاميين أكثر على التخصص والتركيز على فئات الجمهـور، ومعناها قدرة المؤسسة الإعلامية على تقديم مادة أكثر جذبا ونجاحا في ظل التنافس الإعلامي الرهيب الذي يزداد يوما بعد يوم. “يوتيوب” فعل ذلك لمنتجي المادة المرئية، والمنصات الإعلامية المشابهة ستفعلها للصحفييـن.
لكن هذا كله سيخلق مشكلات شد وجذب وتنافس بين المؤسسات الصحفية والصحفيين، وهو يشرح لماذا بدأت كثير من المؤسسات الإعلامية تشعر بالضيق من الاستخدام المكثف للإعلاميين لـ”تويتر” و”فيسبوك”، وتضع القيود عليهم، وهو أمر تصاعد في الغرب وسيتصاعد عربيا أيضا.
قبل أسابيع كتبت عن قيم الموضوعية والحيادية في زمن الإعلام الجديد، ويأتي هذا المقال كتكملة للمقال السابق وواحد من سلسلة مقالات في محاولة مني لطرح تأثيرات ثورة الإعلام الرقمي على مهنتنا الإعلامية عموما.
نجومية الصحفيين قادمة لا محالة، وهي نجومية سيرتفع معها اسم الإعلامي عاليا، وينخفض معها اسم المؤسسة الإعلامية، وستحدث تغييرات كبيرة في طريقة استهلاكنا للأخبار والآراء.
حتى ذلك الحين، أرجو أن تنضموا إلى حملتي لزيادة عدد المتابعين لي على “تويتر”!
المصدر: الوطن أون لاين