كاتب إماراتي
في كل عام في مثل هذه الأيام تغتال فرحتنا وسائل الإعلام وهي تنشر صوراً لعجائز فلسطينيات يحتضن أشجار زيتون عمرها من عمر حضارتنا، مانعات محاولات جرافات إسرائيلية اقتلاعها ومحاولة طمس وجود هذه الشجرة المباركة في الأرض المباركة في البقعة المباركة، وكلما أوغلت الجرافات في غيها ومحاولة اقتلاع تاريخنا من الأرض، زاد الاقتلاع من قيمة ما تبقى من أشجار الزيتون وزاد من معنى وجودها لدى الفلسطينيين.
لم تعد أشجار الزيتون تحمل معنى تجارياً أو غذائياً أو صحياً، بل أصبحت ذات دلالات وطنية فقط، ولذلك لا نرى في الصور سوى كبار السن من نساء ورجال يحاولون الحفاظ عليها لأنها أصبحت رمزاً للوجود الفلسطيني على تلك الأرض، فإما أشجار الزيتون أو شجرة الغرقد!
في الشارقة وفي كل فريج لدينا يوجد معلم فلسطيني من أيام الستينات أو السبعينات، هو دائماً متقاعد، ودائماً ذو هيبة، وغالباً كان عضواً في منظمة فدائية أو ثورية قبل «أيلول الأسود»، ودائماً يمتدح «صدام» على استحياء وتوجس، تقول له مستفزاً إن الأخير كان متهوراً، فيجيبك بأنه لم يذق طعماً للسعادة منذ عام 48 إلا حين دوت انفجارات الـ«سكود» عام 90 في تل أبيب، ولهذا فهو لا يقبل منك أي نقد عليه، في كل عام نتلقى ذلك الاتصال من المعلم المتقاعد: «وصلت تنكات زيت زتون عصرة أولى»، ويضيف بلهجته المقدسية جداً: «بكولو الجماعه اللي في الكدس إنو فش هالكده كميات» تحتاج دائماً لاستبدال القاف المقدسية بأخرى عادية لفهم كمية «الكهر» في تلك الجمل!
ثمن التنكة يشي دائماً بالوضع في الأراضي المحتلة، فحين يصل ثمن «التنكة» 1000 درهم فهو يعني أن الموسم كان صعباً، وأن قطاف الزيتون في هذا العام لم يخلُ من رائحة الدماء ومن ألف جرافة تحوم، وحين يكون الثمن قريباً من الـ300 درهم نعلم أن الوضع مستقر وأن علاقة أبوعباس بأصدقائه لاتزال جيدة! تدخل التنكة المباركة إلى بيوتنا وأجسادنا وتمنع أمراضنا لعام قمري حتى موعد التنكة السنوية المقبلة، نأخذها من على عتبة المنزل من دون معرفة قصة وصولها، وكم من جهود ودماء ومآسٍ وبكاء للحفاظ على شجرتها حتى وصولها إلينا! نضعها في قصعة ونتناول شيئاً منها على إفطار شهي ونحن نشاهد نشرة أخبار جديدة تبدأ بـ: «سقوط 50 قتيلاً»!
قرأت ذات مرة في أحد كتب صاحب السمو حاكم الشارقة، عن أول سينما في الشارقة، وأن الكراسي فيها كانت عبارة عن «تنكات» يجلس عليها الجمهور، ما يجعل هذا السؤال القومي يتبادر إلى الأذهان: هل كان زيت الزيتون يصل إلينا منذ تلك الأيام؟ وهل كان الناس يشترونه لأسباب قومية أم صحية كما نفعل اليوم؟
غصن الزيتون كان دائماً رمزاً لسلام زائف! ولكن «التنكة» القابلة للانفجار هي اللغة الوحيدة للحصول على سلام حقيقي!
المصدر: الامارات اليوم