مدير تحرير صحيفة الجزيرة
أهلاً وسهلاً بـ «الإخوان» إن كانوا في قامة توفيق الربيعة وأدائه المميز ووطنيته الفريدة. لا أعرف منشأ مثل هذه التهمة، ربما ولع التصنيفات، وقد يكون منشؤها مجرد الاشتباه في أنه حريص على اللحية وما يتصل بها وقصير الثوب أيضاً. بعد الخميس المظلم شن الإعلام المصري حملة على وزير الكهرباء باعتبار أن جيناته الإخوانية تسببت في انقطاع الكهرباء الخميس، وأن القصد من فعله إفساد التجربة، على رغم جهوده اللافتة في إبقاء مصر مضيئة. لا أعرف توجهات توفيق الربيعة ولا تهمني، لأنه انتصر للمستهلك ووقف إلى جانبه وحمى حقوقه حتى استحقت وزارته أن تسمى «وزارة المواطن»، لشدة التصاقها بالمستهلك «الغلبان»، ونأيها عن مصالح التجار ومنافعهم التي هيمنت واستحوذت على «التجارة» أجيالاً قبل أن يأتيها الربيعة. أي مستهلك يستطيع اليوم الادعاء بأنه الملك، ولا يمكن خداعه، لأن مجرد تهديده بالشكوى إلى «التجارة» يحل مشكلاته وينهي أزماته، ما يعني أنه صاحب حق ولو كان غير ذلك ما وجد أذناً صاغية. هذه السطوة نتيجة موالاة الوزارة للمتضرر وسرعة استجابتها له حتى لو كانت شكواه سوء تبريد أو وجود تضليل طفيف في مواصفات السلعة.
وكلاء السيارات معظمهم محتكرون، أصحاب سيادة مطلقة، لا تدخل البلد سيارة من دون أذنهم وقبول رسومهم. لا أحد يجادلهم في سوء خدمتهم أو خلل بضاعتهم إلى أن جاء توفيق فأعلمهم، قولاً وفعلاً، أن المستهلك صاحب حق لا يؤجل ولا يخضع للتلاعب.
قبل أن يخطو الربيعة خطوته الأولى في الوزارة كانت حماية المستهلك مجرد مصطلح كاذب يظهر شكلاً ويموت مسلكاً، فلا أحد يحاسب أو يسأل عن جرمه إن كان تاجراً ولا يستطيع المستهلك تذمراً أو اعتراضاً، وكأنه سخرة في خدمة التجار وزيادة أرصدتهم. كان المستهلك أكذوبة إعلامية وترويجاً دعائياً تستلب حقوقه، كأنه مواطن فلسطيني مقاوم في تل أبيب. لم يكن للمستهلك حق أو قدرة المساءلة أو مطالبة بتعويض، أما اليوم فإن السيارات تُحتجز والوكلاء أصحاب الضيعات يحاسَبون ويساءلون، فلم يعد ثمة عمدة متسلط وريفي مسحوق.
انتصر الربيعة للضعفاء وأدب بـ«درّته» السرية كل المتجاوزين، فكان خيره للمواطن بعد أن كانت «التجارة» ذئباً يرعى الغنم. مكالمة واحدة أو رسالة نصية يأتي الرد عليها سريعاً، فإن كان التاجر مخطئاً نالت منه الدرّة الحق كله واستعاد المستهلك حريته كاملة فلم يولد الناس إلا أحراراً.
لا حاجة لما يسمى «لجنة حماية المستهلك» مع وجود الربيعة، فلقد نشأت قبله، ولم يكن فعلها سوى السراب إلى أن جاء القوي الأمين فرفع مظلة العدل، وأسقط أسوار الظلم والتعدي دون حاجة لقضايا وإجراءات ومراجعات.
خدم توفيق الربيعة المواطنة وعزّز وجودها، نتيجة إخلاصه وحرصه، وسرعة تفاعله، وحرصه على الإنصاف، ودفعه الأذى والظلم، حتى استقامت وزارته نصرة للحق وطرداً للباطل.
قد لا تعرف يا توفيق أن المستهلك لم يقف منتصب القامة منذ عقود إلا مع إطلالتك، وأنهم حين يذكرون اسمك تختفي كل مظالمهم، فلا يصل إليك إلا البغاة والظالمون والمتجاوزون لكل قانون، المتوهمون أن سلطتهم ثابتة وقوتهم تفوق الحق وترميه بشرر.
يا توفيق لعلك تعدي بعض زملائك في المجلس فـ«إيبولا» الذي يقتل الناس حين يأتي من مثلك يكون دواء وعلاجاً. لا شك أن الذين لم تصبهم نار الغيرة منك ومن فعلك، لا أمل فيهم ولا ظن يرتجى، خصوصاً من سبقوك ثم عاشروك فلم تتحرك فيهم شعرة، ولم ينفضهم مس إيجابي جعله الله وقع خطواتنا وملمس رقادنا ومساج كراسي سلطتنا.
قد يموت الناس أو يتوقف عملهم، لكن ذكراهم لا تنقطع، لأنهم مولدو الحركة وكاسرو حركة السكون والخنوع.
شكراً يا توفيق، وكل الشكر للملك الذي اختارك وعيّنك، فرفع عن مواطنيه ظلماً كثيراً وعبّد لهم دروب العدالة.
المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Jasser-AlJasser/4516461