لم تستهوني وسائل التواصل الإجتماعي الحديثة ، فعلى الرغم من انتشار المدونات والفيسبوك والماي سبيس وغيرها إلا أنها ظلت بالنسبة لي مصطلحات لا أعرف محتواها ومضمونها ولم يكن تويتر من ذلك باستثناء.
ومع بوادر الربيع العربي – الذي يبدو حتى الآن على الأقل أنه انقلب خريفاً عاصفاً – تسمرت كغيري أمام شاشات التلفاز أتابع أحداث هذا الربيع . ومع دعوات القنوات الفضائية لمتابعتها عبر وسائل التواصل الإجتماعي لم أجد بداً من فتح حساب على تويتر لمتابعة جهة واحدة هي قناة العربية. ويبدو أنني لم أدرك عواقب ما فعلته . إذ لم تمضِ ساعات على فتحي لحسابي المذكور حتى اكتشفني أحد الأصدقاء فأصبح لي متابعاً واحداً فتابعته من باب اللياقة ورد الجميل. واستقر بي المقام على هذا الحال أتابع الأخبار والمستجدات وما يغرد به صديقي. ولأن دوام الحال من المحال لم تمضِ فترة طويلة حتى اكتشفني مرة أخرى أحداً ممن أعرفهم ويعرفني إلا أنه لم يكتفِ بالمتابعة بل تعداه إلى نشر خبر وجودي على ساحة التغريد فزاد عدد “الفولوورز” ومن باب اللياقة أصبحت أنا أيضاً من “الفولوورز” لهم . ومع أنني كنت قد قطعت على نفسي عهداً بهجر أم المصائب “الكتابة” وتجنب ويلاتها إلا أن شيطان الكتابة يأبى ألا أن يصر على الغواية فلم أجد بداً من الاستسلام له وتسليمه زمام أمري وقلمي ، وبدأت أغرد كغيري من سرب المغردين وأحلق في أجواء هذا العالم الجديد اكتشف كنهه وأتحسس مساراته.
وبعد تجربة سنة ونيف أقف اليوم لأتأمل هذا الواقع الإفتراضي فأجده نسخة عن واقعنا الحقيقي الذي نعيشه ولكن دون تجمل ودون مساحيق تخفي تشوهات هذا الواقع. لقد نجح تويتر في نسخته العربية في إزالة القناع عن طبيعة مجتمعاتنا فأصبحنا نراها على حقيقتها. لم يعد تويتر في نسخته العربية أرضاً هادئة ومبعثاً للإفادة وتناقل خفيف الأخبار وطريف الأقوال والمعلومات المفيدة في الرياضة والأدب والفن والسياسة والعلاقات الاجتماعية .
نجد المحتوى العربي في تويتر ساحة حرب شعواء . جو مشحون ومتوتر تتطاير فيه القذائف والصواريخ من كل حدبٍ وصوب لا تكاد تجد بقعة تسلم من قذائف الكره والبغض والسب والتخوين والتحقير. أصبح تويتر ، إلا فيما ندر ، واقعاً يبرز ويفرز كل القيح والصديد الناتج عن الكره والعداء والغباء والطائفية والطبقية والغلو والتعصب وجميع العلل والأمراض التي تهتك بمجتمعاتنا وتحفر فيها جروحاً غائرة دامية .
لقد نجح تويتر في سنوات قلائل أن يكشف الوجه القبيح الذي لم نكن نراه لمجتمعاتنا فأصبحت تلك المجتمعات عارية على حقيقتها دون مواربة. لقد أصبحت جميع مثالبنا السياسية وعيوبنا الإجتماعية وأمراضنا الطائفية في تويتر مجالاً خصباً للسجال في مبارزة انعدمت فيها القيم والأخلاق ، وأخرج تويتر الموروث المتراكم من كل هذه الجروح إلى السطح . وكما لخص الأخ المبدع ياسر حارب الأمر بقوله ” أن النسخة العربية من تويتر عبارة عن كنيسة من القرون الوسطى تبيع صكوك الوطنية تهرطق وتهشتق وتخوّن مخالفيها والكل يدعى الحقيقة المطلقة “. إن ساحة التغريد بأمس الحاجة اليوم إلى ميثاق يضع حداً أدنى من المعايير الأخلاقية للتغريد السليم . ميثاق من شأنه أن يصون النفس عن الأذى إذا أرادت أن تحلق في سماء التغريد .
وحتى يتحقق ذلك وللحفاظ على ما تبقى من راحة البال في هذا العمر المليء بضغوط العمل وزحمة الحياة فلابد من اللجوء إلى زر “الأنفولو” والإكثار من استخدامه كلما صدمتني تغريدات هي أقرب إلى صوت الغراب منها إلى تغريد الطيور. ولسان حالي يقول رحم الله مخترع تويتر وكأنه كان يستشف المستقبل بإيجاده لهذا الزر السحري . وكم كانت الحياة لتكون أجمل لو أن فيها زراً كـ “الأنفولو” و”البلوك”.
خاص لــ (الهتلان بوست)