السعد المنهالي
السعد المنهالي
كاتبة إماراتية

تَصوُر.. غير المُتصور!

آراء

خاص لـ هات بوست:

     نحتفل في هذه الايام بانجازات نساء الامارات في مجالات عدة، ومعها ترتفع نبرة الفخر بالمنجز الشخصي، وهذا حق لا ينكره أحد على أحد. ولكني اطرح سؤالا طالما شغلني في خضم هذه الاصوات، هل كان هذا ممكنا على أرض أخرى، ومع قيادة مختلفة؟! استرجعت هذه الأسئلة التي اعرف اجابتها جيدا وأنا اتابع “ديستوبيا” تلفزيونية مثيرة، حيث تنهار دولة ما بسبب كارثة تلوث بيئية، فتستغل جماعة متطرفة ذلك لتقلب نظام الحكم. يستيقظ سكان البلاد ليجدوا أنفسهم وقد أُنتزعت منهم حرياتهم بسبب توجهات متزمتة وقاسية فرضتها حكومة جديدة متعصبة. هذه الدراما ليست جديدة على الشاشة؛ ورغم ذلك فهي مخيفة جدا بل ومرعبة في تفاصيلها الانسانية كلما تصورتها على الحياة اليومية.

ولأن الوعي بقيمة النعمة لا يكتمل إلا بمقارنتها بنقيضها، انشغل قلبي وعقلي بالنعم التي نحظى بها، ومقارنتها بتلك التحولات الاجتماعية العميقة التي فوجئن بها نساء تلك البلاد، رغم أنهن من سمحن بها في غفلة عندما تركن فرص للتطرف بأن يطرق أبواب بيوتهم وان يتسرب كالغاز السام الى حياتهن. لم أتمكن من استيعاب ما آل الأمر اليه، وبالتالي ولم أتمكن من تصور نفسي مكان بنات حواء في تلك البلاد المنهوبة فيها مكتسباتهن، التي طالما اعتبرنها حقا طبيعيا لا يمكن -حتى في أسوأ الكوابيس- أن يعشن بدونها!

نساء تلك الارض المنكوبة يستيقظن على واقع مظلم، حين يقعن أسيرات الدولة التي تتحكم بأجسادهم وابنائهن وأموالهن وحتى افكارهن، وتبدأ في استغلالهم لتحقيق اهدافها ليعشن في مجتمع استبدادي لا يحمل لهن الا مستقبل قاتم، يتعامل مع اجسادهم كوعاء للتكاثر لا اكثر ولا أقل. طوال العمل وعقلي غير قادر على استيعاب فكرة أن أُمنع من الذهاب لعملي ومن قيادة سيارتي؟ أو يحجب حقي في التصرف بأموالي، كيف يمكنني التعايش مع فكرة ان اعاقب اذا قرأت كتابا؟ كيف اتفهم أني لا املك خياراتي في أن اتناول ما اريد أو اقول ما أفكر فيه! وكيف لي ان اتصور هذه الأوضاع غير المتصورة!

ذلك الواقع المتخيل كان كابوسًا -حتى في مشاهدته كدراما فقط- كان يطرح تساؤلات مرعبة: كيف يمكن لإنسان أن يعيش وهو مجرد من كيانه، ممنوع من التفكير والتعبير، مستعبد في تفاصيل يومه؟ وكيف يمكن للمرأة أن تُحرم من كل أدوات الفعل والاختيار. هذه التساؤلات السوداوية جعلتني أدرك بعمق مضاعف قيمة ما نملكه اليوم في الإمارات، انه أمرًا ليس عاديًا ولا تحصيل حاصل كما يتعامل معه البعض. بل هو ثمرة جهد ورؤية وإرادة سياسية واعية لقيمة التمكين.

وهنا تكمن أهمية أن لا نجعل يوم المرأة الإماراتية للاحتفال بما تحقق فقط، بل للتذكير أيضًا بما علينا أن نحافظ عليه ونطوره ونعيش الامتنان لهذه الارض وقيادتها في كل تفاصيله بتقدير وحرص. فالتمكين الذي نعيشه اليوم لم يأتِ صدفة، بل بُني عبر مسيرة من الدعم والتشجيع، ليصبح نموذجًا مُلهِمًا للمنطقة والعالم. إن الامتنان في هذا اليوم هو إدراك حقيقي لقيمة هذه النعمة، وفرصة لتجديد ولاءنا لقيادتنا وتعهد منا نحن النساء بمسؤوليتنا تجاه صونها للأجيال القادمة لتبقى كما وصلتنا.