كاتب و أكاديمي متخصص في الإعلام الجديد
أعلنت شركة تويتر من خلال تغريدة عن بدء إجراءاتها الرسمية للتحول إلى شركة مساهمة وطرحها في السوق. رغم أن الأمر كان متوقعا منذ سنتين أن يحصل في عام 2014 إلا أن الوسط التكنولوجي طرب كثيرا للخبر لأن هذا الطرح سيعطي للاستثمارات على الإنترنت الكثير من الزخم والتصاعد المالي وينعش الـ”سيليكون فالي” التي وضعت مليارات الدولارات في آلاف مواقع الإنترنت، وتنتظر العائد المالي منها.
لكن ماذا يعني هذا التحول بالنسبة للجمهور الذي يعشق تويتر ويسهر وينام عليه كل يوم؟
أولا: يعني المزيد من التركيز على الإعلانات. قبل أيام فقط من إعلان بدء التحول لشركة مساهمة، قامت تويتر بشراء شركة MoPub والتي تملك نظاما متقدما للإعلان على الموبايل بمبلغ 350 مليون دولار، وهو مبلغ منطقي طبعا لو عرفنا أن دخل الشركة يصل إلى 100 مليون دولار سنويا، ولو تخيلنا القيمة الإضافية التي يحملها مثل هذا الشراء أمام المحللين الماليين الذين سيرون في هذا الاستثمار التزاما واضحا من تويتر بالدفع بالإعلانات إلى أقصى حد ممكن.
تويتر كشركة تملك الثقافة الداخلية التي تجعلها شديدة الحساسية نحو إيذاء المستخدمين بالإعلانات، لإيمان تويتر عبر السنوات بالتجربة السلسة للجمهور، ولكن هذه الحساسية سيكون فيها تنازلات ليست بالسهلة بعد تحولها لشركة مساهمة تبحث عن الدخل المادي لملاكها من حملة الأسهم.
بالنسبة للسوق عموما، فهذا يعني أمرين:
1-تركيز تويتر بعد تركيز فيسبوك وجوجل على الإعلان يعني الاستيلاء على المزيد من السوق الإعلاني لصالح الشبكات الاجتماعية على حساب الصحف والقنوات التلفزيونية، وهذا سيزيد من سرعة انهيار “الإعلان الجماهيري” وتصاعد “الإعلان الشخصي” الموجه لجمهور معين. بكلمات أخرى، المعلن يتجه تدريجيا للتخلي عن تلك الإعلانات التي تذهب لكل الناس، وينتقل للإعلانات التي يمكنه من خلالها اختيار الناس الذين يقرؤونها. عبر التحولات الجديدة المتوقعة في تويتر، لن تختار فقط المعلومات الديموغرافية للأشخاص الذين يتلقون الإعلانات (مثل البلد والجنس والعمر)، بل ستستطيع اختيار الكلمات التي يركزون عليها والأوقات التي ينشطون فيها، بطريقة سلسة ومميزة.
2-هناك كمية ضخمة من الإعلانات على تويتر تتم اليوم من خلال الحسابات والشخصيات التي يوجد لديها عدد كبير من المتابعين، وهذه “كعكة” ستتناقص تدريجيا مع حرص تويتر على الاستئثار بالدخل الإعلاني، إلا إذا أوجدت تويتر طريقة تشارك فيها الشخصيات المؤثرة هذا الدخل، وهذا أمر مستبعد حاليا.
ثانيا: تميزت تويتر بابتعادها عن واشنطن، أي عن دهاليز الضغط على أعضاء الكونجرس لصالحها، وهذا الأمر سيتغير مع تحولها لشركة مساهمة، وذلك لأنها ستحتاج لاستخدام المعلومات الشخصية للجمهور، مما يعني حماية نفسها من قوانين الخصوصية، وهذا في الغالب يعني تنازلات للرقابة الأمريكية الحكومية، بعد أن استطاعت تويتر أن تكون آخر القلاع التي لم تقتحمها هذه الرقابة بعد.
ثالثا: ستعمل تويتر جاهدة على تحسين تجربة المستخدم وخاصة على الموبايل، لأنها لم تعد تستطيع بعد اليوم المغامرة بأي قرارات تقلل من عدد المستخدمين أو حصتها من السوق، وهذا يشمل على سبيل المثال التحسينات الأخيرة التي ستسمح بالاطلاع على الصور في “التايم لاين” دون الحاجة للضغط عليها. هذا التحرك يمثل محاولة لتويتر ضد التوسع السريع لانستجرام في مجال الصور.
المثال الآخر هو تركيز تويتر في الفترة الأخيرة على التلفزيونات الذكية، حيث تهدف لإيجاد دمج بين تجربة مشاهدة التلفزيون وتجربة تفاعل الجمهور مع ما يشاهدونه من خلال تويتر، بطريقة تخدم فيها القنوات التلفزيونية والجمهور من جهة، ويسمح لها بالسيطرة على الجزء التفاعلي على شاشة التلفزيون من جهة أخرى. هذا ما دفع تويتر لشراء شركة “بلوفين” المتخصصة في هذا المجال بقيمة 90 مليون دولار.
هناك أمثلة كثيرة أخرى في مجال الموسيقى والفيديو وغيرها، والنتيجة طبعا هي الاستمرار في السيطرة في عالم الشبكات الاجتماعية في ظل تنافس حاد مع فيسبوك.
باختصار، تويتر تتحول اليوم إلى شركة تجارية بحتة بعد أن كانت صديقا ودودا لا يطالب أي مقابل من مئات الملايين، ولأجل عيونهم كان لا يقوم بأي تنازلات مهما كانت، وكشركة تجارية فهي بحاجة للمزيد من المال وحماية الإنجاز، حتى لو كان ذلك على حساب الجمهور أحيانا.
المصدر: الوطن أون لاين