كاتب وإعلامي سعودي
مع التغير الذي يمر به العالم العربي بما يُسمى بـ«الربيع العربي» أو «الثورات العربية»، يبدو أن هناك معوقات كبيرة ومتأجذرة لعملية التحول الديموقراطي الحقيقي في هذه البلدان، فتلك الدول ومنذ استقلالها عاشت مرحلة ضعيفة من حيث العملية التنموية الشاملة التي هي الأساس في أي عملية تحول ديموقراطي حقيقي يحمي المكتسبات التنموية في حال وجودها، في معظم البلدان العربية، ومع الأسف الشديد، لم تتحقق التنمية من حيث نوعية التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية ولم نجد دوراً حقيقياً فاعلاً لمنظمات المجتمع المدني في دولنا، تلك المنظمات المدنية تابعة للأنظمة وليست مستقلة، كما نشاهد دور منظمات المجتمع المدني في الغرب، لذا نجد دورها ضعيفاً في عملية التحول الديموقراطي في مجتمعاتنا، أما من حيث وجود الأحزاب المعارضة في بعض بلدان الربيع العربي فلقد كانت مؤسسات تكميلية لتجميل الأنظمة العربية، مثل هذا الضعف في البنية السياسية والثقافية في مجتمعاتنا هو ما يجعلنا نعيش هذا التخبط السياسي في منطقتنا العربية، فمثلاً دول أوروبا الشرقية وعند خروجها من المنظومة الاشتراكية لم تمر بفوضى وعنف وإقصاء كما نشهده في عالمنا العربي، والحال تنطبق على دول أميركا اللاتينية التي خرجت من أشكال حكم شمولية وعنيفة إلا أنها لم تواجه حالاً من التخبط والحروب كما تطل علينا الآن في منطقتنا، بل إن الكنيسة كان لها دور مهم في عملية التحول الديموقراطي في تلك الدول.
نحن لم نحقق لا التنمية الشاملة التي تزيد من الرخاء الاقتصادي والوعي السياسي والاجتماعي إلا في حال بعض الدول الخليجية، وعلى رغم ذلك لا تزال التنمية السياسية ضعيفة، والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار ضعيفة للغاية، قد يرى البعض أن الاستمرار في العملية التنموية قد يوصل في النهاية إلى شكل ما من الديموقراطية يحافظ على ما تحقق في المجالات التنموية، وهذا حدث في بعض البلدان الآسيوية، كما في حال كوريا الجنوبية والصين وإندونيسيا، والبعض الآخر يؤمن بأن الانخراط في «الدمقرطة» قد يكون سابقاً أو على الأقل متسايراً مع العملية التنموية، إلا أننا في عالمنا العربي نشهد عنفاً وتطورات خطرة قد تقضي على ما تم بناؤه في أعوام من منجزات تنموية، إلا أنه مثلاً يوجد خلل في قضايا توزيع الثروة وازدياد الهوة بين شعوب مجتمعاتنا، بل إننا نجد زيادة ملاحظة في معدلات الفقر، وتدني مستويات التعليم والصحة، وارتفاعاً في مستويات البطالة بين الشباب الذين يشكلون نسبة مرتفعة في مجتمعاتنا العربية، فلا نحن دول فقيرة مثل الهند مثلاً، وعلى رغم ذلك يوجد بها مثال ديموقراطي فريد من نوعه، على رغم أن تلك الديموقراطية هناك لم تقض على مشكلات الفقر والبطالة إلا أن المؤشرات الكلية للاقتصاد الهندي أصبحت منافسة على المستوى العالمي، إضافة إلى تحسن في مستوى ونوعية التعليم هناك.
نحن لم نقرر بعد هل التنمية المستدامة والعادلة هو ما يجب أن نمضي فيه مع تحول تدريجي نحو الديموقراطية في عالمنا العربي، أم أن التحول الديموقراطي يجب أن يكون هو الأساس الذي تُبنى عليه العملية التنموية، فالديموقراطية كما يرى البعض هي من يحمي المنجزات التنموية وليست الجيوش العسكرية التي يصرف عليها البلايين ولم تؤدِ دوراً في حماية المنجز التنموي، صحيح أن العلاقة بين التنمية والديموقراطية معقدة جداً إلا أنها علاقة تنعكس إيجابياً على الاستقرارين السياسي والاجتماعي لأي شعب ينشد الرخاء الاقتصادي، ونحن كعرب جزء من هذا العالم، خصوصاً في ظل العولمة الاقتصادية والإعلامية، فهذه العوامل يمكن توظيفها في سرعة وتيرة دمقرطة مجتمعاتنا العربية التي لا يمكن إغفال تنوعها الديني والإثني والمذهبي، وتأطير العمل الديموقراطي هو باعتقادي المخرج الحقيقي لما نشهده من أزمات سياسية طاحنة تطل علينا اليوم.