مدير تحرير صحيفة الجزيرة
… وفعلهم كذلك. هم صخب الطلاب في الفسحة إلى أن تسكتهم صفارة المعلم، فيتبخّرون مثل فقّاعة صابون.
لا أعرف سبب اعتقال محمد العريفي، لكن ملايينه الـ 10 ذابوا كأنهم سراب، حتى ليشك المرء في اعتقاله، لأن الصبيّ حمزة كشغري نال اهتماماً يفوقه مراراً، بل إن نجوم الصحوة، على رغم ضجيجهم، صمتوا كأنما تلبّستهم حال البيات، أو كأن العريفي من سكان بورتويكو. لا لومَ على «تابعي» العريفي، لأنهم قد يكونون حسابات وهمية تدار مركزياً، فلما وجدت صاحبها اختفى شلّها الصمت، لكن ما سبب سكوت الأصوات الفعلية التي كانت ترفع النبرة عالياً وتهدّد بالويل والثبور وتتفاخر بكثرة الإعادات لتغريداتها؟ ألا تثق بقوة تأثيرها وحضورها وتراهن على سطوتها أم أن الوهم واحد؟
قبل انتخاب السيسي رئيساً لمصر، ابتكر «الإخوان» وسماً بذيئاً ضده، قالوا إن التغريدات فيه جاوزت البليون، لكن المصريين انتخبوا السيسي وهاهو يمضي بمصر في طريقها من دون منغّصات سوى عمليّات جبانة، مثل حرق محوّلات الكهرباء أو محاولات تفجير محطّات «المترو»، بينما بقي البليون تغريدة حبيس مكاتب «الإخوان» وموظفيهم ومموليهم.
سحبت الكويت الجنسية من نبيل العوضى، فاحتقن «تويتر» ولم تمضِ أيام حتى نسيَه الناس، ولعله يتفحص الموقع فيجد هاجسه «خناقة» أحلام وشمس، أما هو فلا يرد له ذكر إلا عرضاً.
قالوا إن مواقع التواصل الاجتماعي هي صوت الناس المحبوس المتمرّد على الرقابة والملاحقة، وهذا صحيح لو كان فيه أناس يمكن عدّهم والتعرّف عليهم، لكنه مجرد ساحة أشباح، كل ما فيها أسماء وهمية ومعرفات تكرر القول ذاته، حتى إن أي وسم مهما بلغت سطوته لا يتجاوز فطامه أياماً ثلاثة.
القرضاوي الذي كان يقال إنه مرعب الخليج، وخصوصاً السعودية والإمارات، غاب عن خطبة الجمعة و«الجزيرة»، فلم يعد له ذكر في «تويتر» سوى لحظات عابرة، جلّها انتقادي وسلبي، أما جمهوره العريض فكأنه لم يكن يوماً.
«تويتر» قوة ضاغطة، لكن قيمته في حقيقة أسمائه، لذلك فإن جمهور المطربة أحلام أقوى وأكثر صدقية من تابعي طارق السويدان. محبوها موجودون فعلاً يعبرون عن ذواتهم، بينما كثافة جمهور طارق مثل سحابة دخان تفرقهم نسمة هواء.
في اليمن على سبيل المثال تتدافع التغريدات الكثيفة المناوئة للحوثيين، فلم تؤثر في تمددهم، فإما أن الحوثيين لا يعرفون القراءة وإما أنهم يشغلهم القات، بينما لم تنقذ هذه التغريدات «الإصلاح» اليمني، فضلاً على أن تعزز وجوده.
من يرجع إلى التغريدات المستنكرة لجريمة الدالوة في الأحساء يجد أن معظمها أسماء فعلية، وهنا تكمن قوتها التي أثمرت وجود نحو 70 ألفاً في مسيرة التشييع. ليس مهماً كثرة التغريدات إن تناقص عدد الأحياء فيها، فالفرق يصنعه البشر وليس المعرفات ما لم يكن العالم لعبة افتراضية!
المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Jasser-AlJasser/5625890/