كاتب وإعلامي سعودي
المعارضة في الدول الديموقراطية، التي يطلق عليها في معظم الأحيان حكومة الظل تهتم بكل شؤون بلادها وتراقب السلطة والحزب الحاكم، وهي عملية سياسية متعارف عليها، وتسعي المعارضة دائماً إلى الوصول إلى الحكم من خلال برامجها السياسية ومن خلال الأنظمة والتشريعات التي نصت عليها دساتير تلك الدول المتقدمة ديموقراطياً.
في عالمنا العربي نجد دائماً التخوين للمعارضة والمعارِض السياسي، وقد يكون ذلك بسبب عدم نضج التنمية السياسية في عالمنا العربي، فالمعارضة لدينا، ولاسيما بشقها الإسلامي السياسي مثلاً تطمح للوصول إلى الحكم، وهذا حق مشروع لها، ولكن الاختلاف معها أنها تريد أسلمة المجتمع، بحسب ما تراه كما حدث في مصر مثلاً عند وصول «الإخوان المسلمون» للسلطة، والسؤال: هل هذا يعتبر حقاً لمن يصل إلى الحكم في دولنا؟
العائق هو أن معظم دولنا، التي تدعي العلمانية لا تطبق منها إلا الاسم فقط، إذ ليس فيها دساتير متفق عليها من غالبية شعوبها، وهذا يجعل هذه الدول حقل تجارب، ويخلق صراعات وحروباً في داخلها.
فنحن نتذكر مثلاً التجربة الاشتراكية في اليمن الجنوبي، فتلك التجربة لم يكن لها من الاشتراكية إلا في خطابات الحزب الاشتراكي اليمني ولجنته المركزية وبعض النخب السياسية، ولكن الشعب اليمني في الجنوب في تلك الفترة لم يتأثر بتلك الحقبة، بل إن الزعامات الاشتراكية كانت ترتكز على ولاءات قبلية وجهوية، والحال الآن في من يرفعون الشعار الإسلامي للحكم يتخيل أن هذه الشعوب قد حادت عنه، وهذا غير صحيح، ولكن المشكلة أن التيارات الإسلاموية تعرف أن الدين أهم مكون ثقافي في حياة شعوب منطقتنا، وهي تعمل على استغلاله، للوصول إلى هدفها، وهو الحكم.
كلنا يتابع الانتخابات في الدول الغربية، التي يفوز بها أحزاب محافظة أو ذات توجه يساري، ولكن لا نشهد تغيراً جذرياً في سياسية تلك الأحزاب في برامجها السياسية، ولم يغير حزب اشتراكي وصل إلى الحكم في الدول الغربية سياسة بلاده إلى دول اشتراكية واضحة. قد تكون هناك ملامح من النظرية الاشتراكية في المجالات الخدمية، ولكن تلك الدول ظل اقتصادها مستمراً على المنهج الرأسمالي.
الكل لدينا يجرب ويحاول أن يغير، فالمعارضة لا توجد كمؤسسات سياسية لها ثقلها وبرامجها الواضحة، فما تعمله هو التأجيج وطرح رؤى لتغير كل شيء، وكأننا نبدأ من الصفر، وقد أصبحت دولنا ومجتمعاتنا وكأنها حقل تجارب، فمرحلة قومية واشتراكية وإسلاموية. الكل يجرب، والكل ينتقد ما قبله، ويدّعي أن آيديولوجيته هي المنقذ لنا. إننا نعيش ونكرر المآسي والأخطاء، والضحية هو الإنسان العربي في هذه الفترة المعاصرة، فالمرحلة القومية نادت بوحدة الوطن العربي، والاشتراكية نادت بالأممية الاشتراكية، والتيارات الإسلاموية تنادي الآن بوحدة الأمة الإسلامية، وللأسف أن هذه التجارب قادتنا إلى مزيد من الصراعات الإثنية والطائفية، التي تهدد دولنا ومجتمعاتنا، وحتى ما يسمي «الربيع العربي» لم يبدأ ثورة ومعارضة حقيقية، فشرارته انطلقت من حادثة بائع خضار في تونس، فكيف بمعارضة وثورات هذه أسبابها! وقد يطرح بعضهم أن القهر الاجتماعي والاقتصادي وقودها، ولكن نحن نرى من أتوا بعد ذلك، فلم تتبدل حال الطبقات المسحوقة، ولم نشهد انتخابات حرة ونزيهة.
الكل لديه آيديولوجية يستخدمها سياسياً فقط، فالثورات في التاريخ لها مفكروها والمبشرون بها على الصعد كافة، فلا يمكن أن يكون التغير سياسياً فقط، مع بقاء الأشكال الاجتماعية والاقتصادية والثقافية كما هي، بل إن هذه باعتقادي هي الأكثر أهمية في الشرط التاريخي للتغير، وقد يكون الاهتمام بالتغير السياسي جاذباً للجماهير، لأنه آني ويمس حالها، ولكن البنية الثقافية لم تتغير أصلاً، فكيف نؤمن بقبول الآخر سياسياً، ونحن نقمعه اجتماعياً وثقافياً؟ فالعملية أعقد مما نظن. ويمكن القول أن التاريخ العربي قد شهد ثورة حقيقية واحدة في تاريخه، وهو الإسلام أعظم ثورة في تاريخنا، إذ لم يركز فقط على الجوانب السياسية، بل غيَّر الثقافة السائدة قبله، وهذا هو المفهوم الحقيقي للتغير. وفي تاريخنا المعاصر شهدنا ثورات في الغرب والشرق تحمل آيديولوجيات اجتماعية واقتصادية غيرت نمط تلك الدول، كما الثورة الفرنسية والبلشفية.
المصدر: الحياة