صحفي وكاتب سعودي
لولا دعم المرجع الشيعي الأكبر السيد السيستاني، وأضيف أيضًا انخفاض مداخيل البترول، ما كان لرئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي الإقدام على محاربة رموز الفساد العراقي.
دعم المرجعية الدينية، واضح، وسببه معروف، وانخفاض مداخيل البترول، خاصة مع موسم الحر الشديد هذا، ومعه الذعر من «داعش»، وتفشي الجو الطائفي والتوتر الأمني، ما عزز نمو الميليشيات الشيعية، كلها عوامل مهدت الجو لخلق قاعدة دعم شعبي للعبادي.
حيدر العبادي، هو مثل سلفه نوري المالكي، ابن حزب الدعوة الأصولي، وهو النسخة الشيعية من جماعة الإخوان المسلمين، وقبل نور المالكي كان أيضًا «الدعوي» إبراهيم الجعفري.
لنتذكر أن المالكي تولى الوزارة في أبريل (نيسان) 2006 عقب وزارة إبراهيم الجعفري، الذي كان مشغولا بالخطب والتنظير، وشرح أدبيات الدعوة بطريقة جعفرية خاصة.
جاء المالكي حينها على أساس برنامج الأمن، وعلى وقع انتقادات سنية وعربية وعلمانية بالاختراق الطائفي لأجهزة الأمن، وطولب بتطهير وزارة الداخلية من السمعة الطائفية السيئة التي لحقت بها، بعد اكتشاف سجن الموت والتعذيب السري.
لكن تحقق في المالكي مقولة الشاعر: رب يوم بكيت منه فلما / صرت في غيره بكيت عليه.
تحول الرجل لديكتاتور «شفط» كل المناصب السيادية، وغذى المناخ الطائفي، بعدما همش خصومه الشيعة خاصة التيار الصدري، ليتبين لاحقًا أنه فعل ذلك ليتفرد بقيادة الشيعة، ليس لدواع وطنية صرفة.
قاصمة الظهر كانت فاتورة الفساد وهي بمليارات الدولارات، مع امتصاص كل مياه السلطة والثروة، هنا ثار عليه بقية حزب الدعوة، نفسه، والمكونات السياسية الشيعية الأخرى، المجلس والتيار الصدري، ناهيك طبعًا عن السنة والكرد، والحركات الوطنية.
المرجع السيستاني، شعر في لحظة كاشفة، أن وضع الشيعة كله مهدد في الحكم العراقي، بسبب سياسة نوري المالكي، والرجل لجأ لطهران مؤخرًا، لكن يبدو أنه قد تأخر.
السيستاني، في تصرف نادر، حذر في حوار صحافي مكتوب مع وكالة الصحافة الفرنسية:
«من خطر تقسيم العراق ما لم تمض حكومة حيدر العبادي في تنفيذ إصلاح حقيقي».
هاجم المرجع الديني الشيعي أيضًا كل السياسيين – الذين تبوءوا مقاليد الحكم في البلاد منذ إسقاط نظام الرئيس السابق صدام حسين عام 2003. محملاً إياهم مسؤولية التدهور العراقي.
هذا يعني أن العبادي لديه فرصة تاريخية – أتكلم بصراحة – لإنقاذ الحكم الشيعي للعراق، من خلال التحرر من الفساد، وأيضًا تخفيف التوتر الأمني، من خلال التصالح مع السنة.
وهكذا، من طريق غير علماني، قد يصل العبادي، وبدعم الرمز الديني الأساسي، لصيغة وطنية علمانية لحكم العراق. ويا لغرائب القدر.
المصدر: الشرق الأوسط