مشعل الحميدان من الرياض
أكثر من ملياري شخص يوميا يقضون بعضا من أوقاتهم اليومية أمام الشاشات المضيئة، منهم من يعتمد على الأجهزة الذكية في التواصل الفعال مع الآخرين كوسيلة لاغاية، ومنهم من يترك تلك الشاشة خلفه بعد إنهائه مهمة اتصال صوتية معتمدا على تلك الشاشة كوسيلة لإنهاء المهام اليومية، ومنهم من يطغى اللعب على بقية أنشطة حياته وحاجاته الضرورية، بما فيها الطعام والنوم، ويصل الاندماج في أجواء اللعب إلى درجة يفقد معها المستخدم قدرته على الفصل بين الواقع والخيال، حتى انجرفت تلك السلوكيات نحو طريق الخطر الذي ينعكس على صحة الإنسان، لتصف تلك السلوكيات في مصاف الأمراض الصحية، وتقف بجانب ”الإدمان” ولكن بصورة أخرى ليست تقليدية، بل إلكترونية تنتقل من ”كيابل” الإنترنت وتطبيقات الأجهزة الذكية، عبر أعصاب العين إلى داخل أحشاء المستخدم التي تودي إلى أسلاك الخطر.
لتبقى التساؤلات: هل يحتاج الإدمان على الإنترنت فعلاً إلى علاج تام يستدعي دخول المريض المستشفى، أم أن هناك طرقاً أفضل للتعامل مع الرغبة الشديدة في الدخول في إحدى ألعاب الإنترنت وهوس مراجعة البريد الإلكتروني؟ وهل يستحق أن يندرج ضمن الإدمان أم الاضطرابات؟ التقرير التالي يستعرض المزيد من التفاصيل عن هذا الموضوع.
فجرت قضية الإدمان على الإنترنت والأجهزة الذكية منافذ النقاش في برنامج ”ريد آي” الأمريكي على قناة ”فوكس نيوز”، بعد أن تم افتتاح أول برنامج أمريكي للتأهيل لعلاج ”إدمان الإنترنت” في عيد العمال في مركز برادفورد الطبي في ولاية بنسلفانيا في الولايات المتحدة، كبداية تبرز مدى انتشار الإنترنت في حياتنا اليومية، إلا أن الخبراء لا يزالون مختلفين حول ما إذا كان إغراء الوسائط الاجتماعية أو ألعاب الإنترنت يُعتبَر في الحقيقة نوعاً من الإدمان.
وفي أحدث نسخة من دليل تشخيص الأمراض النفسية، المعروف باسم DSM 5، لم يقبل المحررون والضيوف أيضا إدخال إدمان الإنترنت على أنه أحد الاضطرابات النفسية، رغم أن الدليل أقر أن الموضوع يستحق دراسة إضافية من أجل إمكانية إدراجه باعتباره أحد الاضطرابات.
وأوقف مقدم البرنامج النقاش ليعيد المحور إلى ما إذا كان الإفراط في استخدام الإنترنت يعتبر فعلاً من أنواع الإدمان – بمعنى أنه سلوك اندفاعي على الرغم من آثاره السلبية الحادة – إلا أنه يصبح من الواضح بصورة متزايدة أن حالات الإدمان، مهما كان نوعها، لا تستجيب كثيراً للتنويم في المستشفى، إلا في الحالات القصوى التي ينتج عنها تهديد على الحياة.
وفي معظم الحالات، فإن جاذبية الإنترنت لا تستدعي تصنيفها ضمن هذه الفئة. من منا لم يقطع المحادثة في منتصفها ليرد على رسالة نصية، أو تجاهل أصدقاءه ليتجول في شريط تعليقاتهم على تويتر؟ ربما لا يستدعي ذلك أن يرقد الشخص في المستشفى، لكن سيكون من المفيد اتباع عدد من النصائح المقدَّمة من خبراء الإدمان لمساعدة الناس على تعديل سلوكهم إذا كانوا مصابين بإدمان معتدل على الإنترنت.
نقاط الضعف
كل شخص تقريباً يستعمل الإنترنت، بالتالي نقول بداية إنه يحسن بك أن تحدد ما هي أنواع التكنولوجيا والنشاط التي تعتبر إشكالية بالنسبة إليك أكثر من غيرها؟ يقول آدي جاف، المدير التنفيذي لبدائل علاج الإدمان، وهو مركز خاص للمعالجة يعطي أساليب تقوم على تشجيع الاعتدال لعلاج جميع أنواع الإدمان : ”عليك أن تقوم فعلاً بتحليل مكونات استخدامك للتكنولوجيا التي ترتبط بالجزء الوظيفي من حياتك، وأيها تستخدمها بصورة اعتيادية تامة إلى درجة أنها لا تلعب دوراً أكثر من كونها عادة؟” حاول أن تكون موضوعياً حول نشاطات الإنترنت التي لا تستطيع السيطرة عليها – مثلاً إن كانت تأخذ الأولوية بصورة مفرطة على العمل والأصدقاء والعائلة – وادرسها لتكتشف الفترات التي تحدث فيها هذه الأمور معك بصورة متكررة.
حين تكتشف أن مشكلتك بالدرجة الأولى هي أن تظل ساهراً إلى وقت متأخر وأنت تمارس إحدى ألعاب الإنترنت، أو أنك تبالغ في مراجعة بريدك الإلكتروني في كل مرة تتوافر لديك فيها لحظة من الفراغ، أو مشاهدة فيديوهات مضحكة على يوتيوب في فترة العصر، في هذه الحالة ضع لنفسك أهدافاً محددة لتغيير أنماط تعاملك مع الإنترنت. سجل مدى تقدمك في تحقيق هذه الأهداف، كما يقول رايد هستر، مدير قسم الأبحاث في ”جماعة علاج السلوك” ومصمم البرامج لموقع Moderatedrinking.com (أي الاعتدال في الشرب).
يقول جاف: ”توصيتي الأولى هي تخصيص أوقات محددة خالية من التكنولوجيا في حياتك، بحيث تصبح عادتك الجديدة”. لكنه يحذر من أن ذلك لن يكون بالأمر السهل. ويضيف : ”ستشعر ببعض الانزعاج في المراحل الأولى”.
يقترح هستر وضع أهداف صغيرة كبداية. ويقول: ”على سبيل المثال، إذا كان هدفك عدم مراجعة البريد في عطلة نهاية الأسبوع، عليك أن تكتب على التقويم في كل يوم من أيام من عطلة نهاية الأسبوع أنك لم تفتح بريدك الإلكتروني. وربما تستطيع حتى أن تعطي نفسك يوم السبت مكافأة لأنك استطعت تحقيق ذلك”.
هناك خيار آخر، وهو أن تضع جهاز توقيت لفترة معينة خالية من التركيز على الإنترنت، ثم تغلق برنامج التصفح وتعمل على إزالة جميع العلامات الصوتية والبصرية التي تشعرك بقدوم رسالة إلكترونية جديدة. يستطيع مستخدمو أجهزة ماك استخدام برنامج يدعى ”الحرية” يستطيع فعلاً وضع حدود لوصولك إلى الإنترنت لفترة محددة من الزمن. حين تستطيع الابتعاد لفترات قصيرة، يصبح من الأسهل عليك اجتياز فترات أطول.
في النهاية، وحتى تستطيع تقليص السلوك الإدماني بصورة فعالة، أنت بحاجة إلى معرفة الوظيفة التي يؤديها ذلك السلوك لك. تقول سارة باوِن، أستاذ الطب النفسي المساعد في جامعة واشنطون، والتي تدرس أساليب التركيز العقلي لمكافحة حالات الإدمان: ”من حيث التركيز العقلي، نتعلم أننا في كثير من الأوقات نحاول الدخول في نشاط معين لأننا غير راضين عن النشاط الذي نحن فيه في تلك اللحظة. فهو إما ليس جيداً بما فيه الكفاية، أو ليس ممتعاً بما فيه الكفاية، أو ببساطة غير مريح”. وتقول إن كثيراً من الناس يراجعون البريد الإلكتروني بصورة اندفاعية لأنه يعطيهم ”نوعاً من التعزيز في أنهم يحصلون على بعض الانتباه من الآخرين”.
من أجل مقاومة هذا السلوك، راقب نفسك حين تنخرط في الشبكة أو على هاتفك. تقول الأستاذة باوِن: ”أولاً قل في نفسك إني أمد يدي لتناول الهاتف. ربما يجعلك هذا تتوقف قليلاً. وحتى لو انتهى بك المطاف إلى تناول الهاتف، سيكون من المفيد أن تتوقف بين الفينة والأخرى وتقول في نفسك إني أحس بالاندفاع، ثم اسأل نفسك : هل أنا فعلاً بحاجة إلى الهاتف في هذه اللحظة بالذات؟ عليك أن تدرك أنك تقوم بنوع من السلوك الآلي وأن تكون لديك الرغبة للاعتراف بهذه الحقيقة وأن تجلس لتفكر فيها قليلاً”.
حين تجلس وتراجع نفسك على هذا النحو من حين إلى آخر فإن هذا سيتيح لك أن تفكر في الدافع الذي يجعلك تمد يدك إلى الهاتف أثناء مناسبات العشاء مع العائلة أو البقاء على الإنترنت فترة طويلة بعد أن تقول لزوجتك إنك قادم إلى السرير. حين تعرف ما تبحث عنه أو ما تحاول تجنبه، تستطيع أن تتوصل إلى طرق أفضل لتحقيق هذه الأهداف – وسيعمل هذا على تعزيز قدرتك على السيطرة على سلوكك.
العلاج النفسي ومؤشرات تحذيرية
كشف خبير كوري جنوبي عن خمس مؤشرات تحذيرية قد يعني ظهورها أن صاحبها قد يعاني ما يعرف بـ”إدمان الإنترنت أو ألعاب الفيديو”.
وتعتبر كوريا الجنوبية من الدول الرائدة في مجال تحديد ومعالجة إدمان الإنترنت وألعاب الفيديو، الذي يعانيه نحو 8 في المائة من سكان البلاد، ممن تتراوح أعمارهم بين سن التاسعة و39 عاماً، ويستخدم الدكتور هان دوغ – هيون” من مستشفى شونغ – انغ الجامعي في سيؤول، ذات التطبيقات العلمية المستخدمة في علاج إدمان الكحول، ويشمل ذلك جلسات علاجية استشارية”.
وحدد الخبير الكوري الجنوبي لـ CNN خمسة مؤشرات تحذيرية قد تعني إدمان الشخص على الشبكة العنكبوتية وألعاب الفيديو، ما قد يستوجب بحثه عن العلاج المناسب، وهي كالتالي : ارتباك النمط المعيشي التقليدي، مثل قضاء الليل في ممارسة تلك الألعاب والنوم نهاراً، وإذا فقد ”المدمن المحتمل” وظيفته أو توقف عن الدراسة، وإطالة الوقت في ممارسة تلك الألعاب بهدف الوصول إلى المتعة المنشودة من اللعبة الإلكترونية، وحالة ”الارتداد”.. وهي ذات الأعراض التي يعانيها مدمنو المخدرات، وتتمثل في سرعة التهيج والغضب والإصابة بالقلق لدى التوقف عن استخدام الإنترنت أو ألعاب الفيديو أو عند إجبارهم على ذلك، وأخيرا اللهفة الشديدة، ويصاب بها بعض ”مدمني التقنية” وتنتابهم عندها رغبة جارفة في الحاجة الماسة لاستخدام الإنترنت والألعاب الإلكترونية لدى ابتعادهم عن العالم التقني.
ولعلاجها أكدت دراسات عدة بأنه ربما تعاود طريقتك القديمة في الإدمان في الواقع أن هذا يحدث تقريباً مع جميع الناس الذين يحاولون الإقلاع عن سلوكيات اعتادوا عليها فترة طويلة، لكن لا تعاقب نفسك. بدلاً من ذلك، شجع نفسك حين تحقق تقدماً تدريجياً. يقول هستر : ”من الأفضل لك أن تكافئ نفسك على تحقيق التقدم من أن تعاقبها على كونك إنساناً غير مثالي.
وعلى خلاف المدمين على الكحول أو الهيروين، أكد إخصائيون نفسيون بأن المصابين بالإدمان على الإنترنت ليس لديهم الخيار ”فقط في أن تقول لا” أو أن تتجنب الناس أو الأماكن أو الأشياء التي يمكن أن تثير فيك أفكار العودة إلى العادة القديمة.
الأمر يختلف مع الإنترنت، فهي موجودة في كل مكان، ثم إن تحقيق الاعتدال في الواقع يكون في الغالب أصعب من الامتناع، لأنه يتضمن التعرض المتكرر لمصدر النشاط الإدماني.
فيما يعتبر عدد من الخبراء أن اعتبار كل حالة من حالات الانتكاس والشفاء على أنها نوع من النجاح يمكن أن يساعد على بناء قدرة أكبر على التكيف مع إغراء الانخراط في استخدام الإنترنت على نحو يحدث الاضطراب في الحياة اليومية الطبيعية.
خيام لعلاج الإدمان
كشفت دراسة حديثة قامت بتمويلها الحكومة اليابانية أن نحو 518 ألف طالب ممن تتراوح أعمارهم بين 12 و 18 سنة، يعانون الإدمان على الإنترنت على نحو ”مَرَضي”.
ووجدت الدراسة التي أجرتها جامعة ”نيهون” على 100 ألف طالب، أن 8 في المائة منهم يعانون حالة إدمان على الإنترنت، وشملت الأعراض التي دلت على الإدمان، زيادة الاستيعاب أو الهواجس خلال القيام بأنشطة على الإنترنت خلال جميع ساعات اليوم، إضافة إلى أعراض الاكتئاب، وتراجع الأداء الدراسي، وتخثر الدم في الأوردة العميقة، كما وجدت الدراسة أن نسبة 23 في المائة من الطلاب يعانون اضطرابات النوم، في حين يعاني 15 في المائة منهم من الاستيقاظ مرارًا خلال ساعات الليل.
وفي سبيل مكافحة هذا الإدمان، تعتزم وزارة الصحة والعمل والترفيه اليابانية إجراء المزيد من الأبحاث، إضافة إلى افتتاح مخيمات ”لا إنترنت فيها”، حيث سيتم فصل المراهقين عن حاسباتهم الشخصية، وهواتفهم الذكية، ومنصات الألعاب المحمولة الخاصة بهم.
وستركز هذه المخيمات، التي تعتزم الحكومة تنفيذها خلال السنة المالية القادمة، على الأنشطة الخارجية، إضافة إلى مجموعة من الأنشطة التي تؤكد قيمة التواصل الشخصي، ”وجهًا لوجه”.
إلى جانب ذلك، سيتاح للمراهقين حضور جلسات استشارية مع أطباء نفسيين بغية مساعدة الوزارة على تحديد الأسباب الكامنة وراء الإصابة بالإدمان على الإنترنت.
المصدر: الإقتصادية