كاتبة و إعلامية
يعرض تلفزيون أبوظبي هذه السنة في رمضان برنامج «مع محمد شحرور» إنسان يطرح فكراً دينياً فلسفياً مختلفاً مغايراً عن السائد، تختلف معه، توافقه ذلك جانب من القضية، إنما ترفض أن تسمعه فتلك هي القضية! فالجدل في الأوساط الإعلامية والتواصلية لا يدور حول أفكار الرجل موافقتها أو رفضها بقدر ما هو محاولة منع الرجل من التحدث، من التعبير، من حجب أفكاره، فهناك (ثقافة) سائدة عند شرائح كبيرة في مجتمعنا ترتكز على رفض السمع و رفض الرؤية ورفض التفكير، (ثقافة) تنتشر بين شبابنا الذي من المفروض إنه حامل لشعلة التغيير والتطوير فكيف بشيباننا؟ هل هو الخوف من الصدمة في النفس الذي يمنعها من رؤية المغاير؟ احتمال.
بداية أحيي تلفزيون أبوظبي على تبنيه سياسية إعلامية تقوم على طرق الأبواب المغلقة فكرياً، فتلك شجاعة منه في امتلاك رؤية سياسية تتحمل مسؤولية بناء عقلي سليم للأجيال القادمة بعيداً عن الانغلاق، في مواجهة فكر سائد يبنى على الحفظ والتكرار لم تخشَهُ.
ففي العام الماضي خصص تلفزيون أبوظبي كذلك برنامج لمحاورة الإمام الدكتور أحمد الطيب، والاثنان رغم تباين طرحهما في الكثير من الزوايا إلا أن الاثنين أضاءا العديد من الزوايا التي كان الضوء محرماً عليها لعقود طويلة بل ربما لأكثر من قرن، وفتحا مغاليق كانت تأبى أن تفتح قبلهما، والاثنان -و هذا بيت قصيدنا – لقيا اعتراضاً من قبل أحاديي الرؤى، الذين اكتفوا بتبني ما وصل إليه من فكر قبل هؤلاء، ويرفضون أن يسمع أي جديد حتى وإن كان الجديد هذا مقدماً بدليل.
نعلم أن العديد من المجددين في الفكر لقوا حتفهم أو نفوا أو حوربوا في ديارهم، ولكننا نخص اليوم اثنين منهم تبنى الإعلام الإماراتي منحهما منصة لطرح أفكارهما بجرأة رغم العلم بحجم الاعتراضات والاحتجاجات لمن لا يريد أن يسمع أو يقرأ أو يفكر.
على ذات المنوال يعاني المجددون السياسيون، فهناك من لا يريد أن يغير هواه أو يفتح عقله لفكر سياسي مستجد رغم الحجج التي يطرحها، وأبسطها ذلك الرفض للإصغاء والاستماع لتلك المتناقضات السياسية التي يعرضها «المغردون» بين تسجيلين لنفس الأشخاص كتسجيل قديم لحسن نصر الله يناقض فيها نفسه بتسجيل جديد، أو لأردوغان يناقض فيها نفسه في ذات الموضوع، وضعت أمام «العموم» صورة ما كانت لتتضح لولا الإمكانات المتاحة لهذه الوسائل التواصلية من حيث التبسيط والاختصار وسعة وسرعة الانتشار، ورغم ذلك يرفض رؤيتها أو الاستماع لها أو حتى الوقوف عندها من تعلق قبله بالاثنين (أردوغان ونصر الله).
رحم الله الألباني إذ قال: «طالب الحق يكفيه دليل، وصاحب الهوى لا يكفيه ألف دليل، الجاهل يعلم وصاحب الهوى ليس لنا عليه سبيل» فعلاً، أين السبيل إلى عقول شباب لا يريد أن يسمع ولا يريد أن يقرأ ولا يريد أن يعمل عقله!! شباب تعلم أن لا يتعلم، شباب يكرر ولا يفكر.
لذلك سيظل أردوغان (الممثل) لا الرئيس زعيماً في نظر شبابنا يصدق أنه معني بالقدس لا بالزعامة. مازال هناك شباب لا يريدون أن يروا أو يسمعوا تناقضاته الواضحة الصريحة، سيبقى حسن نصر الله متمسكاً بلقب زعيم المقاومة. مازال هناك شباب يحلقون في السماء مع خطبه دون ملاحظة كم التناقضات التي تفضحه، المشكلة إذاً ليست في أردوغان أو في حسن نصر الله ولا في خامنئي ولا المرشد العام للإخوان ولا في أي شخص يطرح نفسه زعيماً، ولا المشكلة في المجددين ثقافياً وسياسياً، المشكلة كانت فينا نحن، نحن الذين من السهل جداً خداعنا وقيادتنا لأننا ببساطة شديدة لا نعرف كيف نعمل عقلنا ولا كيف نجادل ولا كيف نناقش ونخشى أن نسأل ولا نعطي فرصة حتى للأذن أن تسمع رأياً مخالفاً، إننا كما قال عنا الألباني نضع ثقتنا في (هوانا) أي في من نهوى، وهنا حتماً ولا بد أن تنهزم كل الحجج والأدلة ويتوارى المنطق خجلاً غريباً فلا مكان له، ولو قدمت ألف دليل فلن يجد سبيله لعقل مغيب، الطريق مغلق أمامه!!
لا سبيل لدول تريد أن تحفظ أجيالها القادمة من الانقياد والتغرير إلا بإعادة التحلي بالجرأة والاستعداد لمواجهة جيش الانغلاق المحارب عبر إعادة الاعتبار للعقل لمناهج الفلسفة والمنطق تعليمياً، لا سبيل إلا بتشجيع الأجيال القادمة على المناظرات وعلى طرح الأسئلة وعلى النقاش والجدال، لا سبيل إلا بمزيد من الطرق والطرق على أبواب كانت مغلقة يمنع فتحها إعلامياً وتعليمياً، لأنها إن فتحت سقطت الأقنعة وانهارت الصروح ومات الزعماء الذين هيمنوا على عقول شبابنا وجعلوهم قطعاناً تقاد إلى مذابحها تنبطح لتقتل وهي تبتسم فداء لهم.
المصدر: الوطن