كاتب ومفكر سعودي
كل إنسان حرٌ في إنفاق ماله بالطريقة التي يراها مناسبة طالما أنه لا يخرق قانوناً. ويبقى بعد ذلك الوازع الديني والأخلاقي، لأن القوانين قد لا تُجرِّم بعض وجوه الإنفاق التي لا يقرها الدين ولا ترضاها الأخلاق.
أحياناً قد يختار أحد الناس، مِمَّن لا يفرقون بين الريال الواحد والمليون ريال، أن ينفق مالَهُ بطريقة تحقق له إشباعاً نفسياً حتى لو اعتقد الآخرون أنها جنونية وبعيدة عن الرشد!! وقد ينفق أحدهم عشرات وحتى مئات الملايين في حفلات ومظاهر باذخة في بيئة اجتماعية تغرق في البؤس والحرمان، مثلما يحدث في الهند التي ينفق بعض أغنيائها ملايين الدولارات في حفلات الأعراس، بينما يموت الفقراء المشرّدون في الشوارع من الجوع والمرض!
وقد قام أحد الأشخاص في الأردن مؤخراً بأخذ قطته البالغة تسعة أشهر، والتي كانت تعاني من عسر في الولادة نتيجة الحمل المبكر إلى المستشفى، حيث أجريت لها عملية قيصرية تحت التخدير الكامل لمدة ساعة ونصف بإشراف فريق طبي. وهذه الواقعة ليست مشهداً من فيلم، وإنما هي واقعة حقيقية نشرت تفاصيلها جريدة الدستور الأردنية.
يتصادف نشر هذا الخبر مع وجود آلاف النساء الحُبْلَيات المريضات في المخيمات التي تأوي النازحين من سوريا، والفلسطينيين الذين شرّدهم الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين منذ عام 1948. لكن مالك القطة، بالتأكيد، لا يرى نفسه مسؤولاً عن المشردين الفلسطينيين والسوريين والعراقيين، وإنما هو مسؤول عن قطته التي حملت مبكراً وعانت من عسر الولادة.
أجد نفسي متعاطفاً مع هذه القطة الصغيرة التي ربما «غرَّر» بها قطٌ فاسق وتركها تواجه مصيرها لولا أن أنقذها المالك الشهم، لكنني أكثر تعاطفاً مع نساء المخيمات والأحياء الفقيرة اللاتي لا يسارع أصحاب الأموال لنجدتهن عندما يواجهن تعسراً في الولادة، وإنما يلومونهن على الحمل وهن فقيرات، ولسان حال هؤلاء الأغنياء يقول «اللي ما معوش ما يلزموش»، وكأن الفقراء محكومٌ عليهم ألا يكون لديهم ذرية عقاباً لهم على جريمة الفقر.
تأخذنا قصة القطة التي تعسّرت ولادتها فأجريت لها عملية قيصرية إلى موضوع العدالة الاجتماعية، وهو موضوع شائك يتم ابتذاله هذه الأيام في خضم الصخب السياسي المتصاعد في العالم العربي.
مبروك للقطة السعيدة، ولا عزاء للفقراء والفقيرات.
المصدر: الجزيرة السعودية