كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو
في وقت مضى، كان عنوان: (جريمة تهز المجتمع) «مانشيتاً» صحافياً يهز القارئ.
الآن، فقَدَ هذا العنوان وجاهته وبريقه ولم يعد جديراً أن تمنحه الصحيفة مكانة «المانشيت» أو حتى «البنط العريض»، لماذا… هل لأنه لم تعد تقع جرائم تهز المجتمع؟
الحقيقة، أن الإجابة الأدقّ، ليس أنه لم تعد لدينا الآن جريمة تهز المجتمع، بل لم يعد لدينا مجتمع تهزّه جريمة!
سيأتي هنا سؤال يتكرر كثيراً في مثل هذه الجدليات: هل الجرائم زادت فعلاً أم إن الإعلام السريع والمنتشر هو الذي زاد في كشفها ونشرها بعد أن كانت تقع في الخفاء؟
الجواب هنا يجب أن لا يخضع لأحادية السؤال، فالخياران في السؤال صحيحان.
الجرائم زادت فعلاً، بسبب التزايد السكاني وتزايد التوتر النفسي والاجتماعي وتناقص الاكتفاء المعيشي، والأشد من ذلك هو غياب الرضا المعيشي بسبب النزوع الرأسمالي النهم للشكلانية.
كما أن الإعلام المتطور ساهم بقوة في ازدياد واعتياد الجريمة. أصبح الإنسان لا كرامة له، والموت لا هيبة له، إذ نطالع على شاشة التلفاز مشاهد الموت الجماعي في البلاد المجاورة ونسمع صيحات الأطفال والنساء الباكية أمام قتلاهم الممزقين، وإذا نطق ذو الضمير الحي من بيننا قال: «يا أخي غيّر القناة، أقرفنا منظر الدم والأشلاء ونحن ناكل». يتم كل هذا بالفعل ونحن على مائدة العشاء المتزامن دوماً مع نشرة أخبار التاسعة!
لكن الإعلام الحديث، المتطور والمنتشر، لا يتوقف عن مطاردتنا عند شاشة التلفاز، كما كانت حال الإعلام من قبل، بل هناك شاشة الكمبيوتر وشاشة الجوال، وستنتشر قريباً شاشة الساعة اليدوية وشاشة النظارات، سيصبح العالم كله شاشة!
في وسائط التواصل الاجتماعي (تويتر – يوتيوب – واتسآب وغيرها) لا تأتي الجريمة فقط عند الساعة التاسعة، بل عند الساعة الواسعة… بلا حدود زمانية أو مكانية تقنّنها.
مشاهد العنف والجريمة والإذلال والإهانة للنفس البشرية يرسلها لك أبناؤك وإخوانك وأصدقاؤك بدمٍ بارد، إذ يتبع مشهد العامل الذي يضربه «سيده» حتى الموت، مشهد كوميدي ضاحك أو لقطات من حفلة فرائحية كي تطمس آلام مشهد العنف الذي قبله، بهذه السرعة؟! أما الرسالة المتضمنة حكاية الابن المجرم الذي ضرب أمه حتى الموت فيسلّيك بعدها فوراً المرسل (الشريك في الجريمة بتبلّده) برسالة أخرى فيها نكتة أو لغز، وما درى أن اللغز الأكبر هو هذه القدرة الفائقة عنده على تقليب المشاعر وخلخلتها بهذه السرعة والبشاعة.
أتساءل دائماً، ما هي المصلحة في توسيع انتشار مشاهد العنف؟
كي تموت الرحمة في قلوبنا ونألف العنف ونعتاد عليه؟ أو كي نتفاعل بالألم والرفض للتصرف السيئ فننمي في نفوسنا العنف المضاد؟!
كلا الخيارين سيئ، فأين المصلحة، إلا إذا كانت المسألة من باب التسلية غير الواعية بمرتجعاتها على نفوس أفراد المجتمع وضمائره… فهذه جريمة جماعية أشد خطورة من الجرائم الفردية المرسلة.
وفي سياق الحديث النبوي الشريف: «كفى بالمرء إثماً أن يُحدّث بكل ما سمع» فإنه يكفي المرء إثماً أن يرسل كل ما يستلم.
عزيزي مستخدم الإعلام الجديد، قبل أن ترسل تغريدتك للفضاء العام أو لفضاء مجموعتك الخاصة فكّر في انعكاسات محتوى المادة المرسلة على نفوس مستهدفيك.
ليتنا نفكر في المكاسب والخسائر الأخلاقية مثلما نفكر في المكاسب والخسائر المالية!
المصدر: صحيفة الحياة