كاتب ومحلل سياسي- لندن
سيحصل اتفاق بين إيران والدول الست، لكن فقط إذا اقتنعت طهران بأن الخطوة الأولى التي خطتها في جنيف لا تحقق لها، بمضمونها الحالي، ما تطمح إليه بالنسبة إلى رفع العقوبات، إذ لا يمكنها تحرير القطاعين النفطي والمصرفي من القيود التي المفروضة عليهما من دون أن تضع على الطاولة تنازلات واضحة وملموسة وكفيلة بأن تعطي مفاوضيها إثباتاً صلباً بأنها متجهة فعلاً نحو ملاقاة مطالبهم المطروحة منذ ما يقرب من عشرة أعوام، وهي مطالب تضاعفت وزادت تعقيداً منذ 2010 فبررت الرزمة الرابعة من العقوبات، التي توافقت عليها الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن.
الجولة الثانية من المفاوضات كادت تبلغ الهدف، بدليل أن وزراء الخارجية قطعوا التزاماتهم ليشهدوا بداية حدث وصف بأنه “تاريخي”، لكن الحسابات لم تطابق التمنيات. هناك بداية تحريك للموقف التفاوضي الإيراني، لكنه غير كافٍ لتعتبر الدول الغربية أن البرنامج النووي وضع أخيراً على سكة إغلاق مساراته الخطيرة التي تفضي إلى اقتناء سلاح نووي. فالورقة الإيرانية لم توفّر إجابات عملية عن الأسئلة المتعلقة بـ1 – وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 % وإغلاق مفاعل “فوردو”، حيث يتم هذا التخصيب وتحديد مصير الكمية التي سبق أن انتجت منه (تريد مجموعة الدول الـ 5+1 نقلها إلى دولة يتفق عليها لاستبدالها بقضبان وقود لتشغيل مفاعل نووي محدود التخصيب ويتناسب مع تأكيد إيران أنها تسعى إلى إنتاج طاقة نووية لاستخدامها في قطاعات مدنية وبحثية). 2 – وقف تركيب المزيد من أجهزة الطرد المركزي لتأكيد عدم السعي إلى رفع مستويات التخصيب وكمياته. 3 – وقف العمل على المياه الثقيلة في مفاعل “آراك” بغية إنتاج مادة البلوتونيوم التي يمكن أن تستخدم أيضاً لإنتاج سلاح نووي.
ما طرحه العرض الإيراني هو مرحلة أولى أو مجرد بداية للتعامل هذه الشروط، بما يضمر الموافقة إذا أمكن الاتفاق على التفاصيل. وهو ما لم يحصل في جولة الأسبوع الماضي، خصوصاً أن الجانب طلب مقابلاً طموحاً لما طرحه على صعيد رفع العقوبات. وبالتالي لم يكن هناك تكافؤ واضح بين تنازلات غير محسومة والثمن المطلوب لقاءه. أما الدول الغربية فاقترحت إنهاء تجميد أرصدة إيرانية (نحو 50 مليار دولار)، وتأجيل البحث في البدء بتخفيف العقوبات إلى حين التثبت من حقيقة النيات الإيرانية، أي أنها لم تشأ الذهاب أبعد من تشجيع الجدية والاستعجال اللذين تبديهما طهران.
بين التلميح والتصريح، اعتبر وزير الخارجية الإيراني أنه استطاع تحقيق اختراق، لذا لم يكن “محبطاً”، بل متفائلاً بأن الاتفاق سيوقّع في الجولة الثالثة قريباً. أما الاختراق، فهو الانقسام الذي ظهر في مواقف الدول الكبرى وأدى إلى تعطيل كان في متناول اليد. لكنه نسي أن لدى هذه الدول هدفاً حاسماً: أن تستطيع أخيراً توقيع اتفاق سياسي أوليّ تقرّ فيه إيران بالموافقة على وقف البرنامج النووي. وفي مقابل ذلك يمكن تحريك منظومة العقوبات. طبعاً سيكون التنفيذ على مراحل، إلا أن الالتزام الإيراني يجب أن يكون واضحاً منذ البداية، وعندئذ يسهل التوافق على الجدول الزمني للتوصل إلى اتفاق نهائي ورفع نهائي للعقوبات.
لا شك أن مساعدة الرئيس حسن روحاني بين أولويات الدول الـ 5+1 لكن هاجسها الأول هو أن البرنامج النووي لا يزال يعمل، ولا تريد أن تستمر لعبة التفاوض لتفاجأ بالإعلان عن أول تفجير في غضون الصيف المقبل. لذلك يبدي الطرفان استعجالاً، كلٌ لأسبابه، وبالأخص الجانب الأميركي الملزم بطلب موافقة الكونجرس على أي اتفاق، مع ما يعنيه ذلك من اصطدام بـ “اللوبي اليهودي” الذي سيأخذ باعتراضات إسرائيل وقد يزايد عليها. من هنا أن فريق روحاني قد يكون مطالباً بمراجعة العرض الأول الذي تقدّم، ولن يفيده اللعب على انقسام الآخرين. ففرنسا قد تكون بدت أكثر تطلباً، إلا أن الجميع مدرك أن ثمة ثغرات في المقترح الإيراني.
وإذا كان الصراع على المصالح بين الدول الكبرى متوقعاً، فإن المهم بالنسبة لطهران أن تندفع مباشرة إلى الهدف (رفع العقوبات) من دون البحث عن “جوائز” أخرى لقاء وقف البرنامج النووي،إلا إذا كانت تخفي مفاجأة وتريد مجدداً شراء الوقت لإنضاجها.
المصدر: صحيفة الاتحاد