صدر عن منشورات القاسمي الجزء الثالث من موسوعة «سلطان التواريخ» بعنوان: «تاريخ اليعاربة في عُمان 1623م-1747م»، تأليف صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، والكتاب يسعى إلى إعادة كتابة تاريخ منطقة الخليج العربي وما حولها، بمنظور توثيقي دقيق وعلمي يمنح القراء من الأجيال المتعاقبة رؤية واعية متبصرة عن تاريخ الأمة العربية والإسلامية العريقة.
يمثل قيام دولة اليعاربة في عام 1624م تحولاً واضحاً في تاريخ عمان الحديث، حيث كان من الضروري أن تشهد عُمان بداية مرحلة جديدة من الإصلاح السياسي والاجتماعي من أجل الوحدة وبناء الدولة. وعلى الرغم من ذلك فإن قيام تلك الدولة تزامن مع وجود البرتغاليين على أراضي عُمان وسواحلها، وإن كانت هذه المرحلة قد بدأت تشهد تحولاً أضعف النفوذ البرتغالي في المنطقة العربية بشكل عام وعُمان بشكل خاص.
يقول صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي في مقدمة الكتاب: «إن هذا الكتاب يتحدث عن شعب قام في ظروف سيطر البرتغاليون فيها على جميع البحار، والموانئ العُمانية، واستطاع ذلك الشعب محاربة دولة كانت أقوى قوة وأكثر ثراء في المنطقة.
لقد استخرجت مادة هذا الكتاب مما اقتنيته من مخطوطات ووثائق على مدى أربعين عاماً لكتابة تاريخ منطقة الخليج العربي وما حولها، ووضعتها في موسوعة أطلقت عليها:«سلطان التواريخ»، ومعناها حجّة التواريخ، وصنفتها إلى ستة أجزاء، وكان تاريخ اليعاربة قد جاء في الجزء الثالث».
اعتمد سموه في الكتاب منهجه المعتاد في العودة إلى وثائق الأحداث التي يدرسها، يقول سموه: «لقد اعتمدت في دراسة مادة هذا الكتاب على وثائق معاصرة للأحداث التي جرت في عُمان أو ما حولها، ومنها ما تم تسجيله للأحداث يومياً في مقر الشركة الهولندية في غمبرون (بندر عباس)، أو مقر الشركة الإنجليزية في غمبرون (بندر عباس)، وكذلك من التقارير البرتغالية، وهي تسجيلات للحوادث والمعارك التي جرت بين البرتغاليين والعُمانيين مباشرة، والتي كان القادة البرتغاليون يقومون بإرسالها إلى رؤسائهم، أو التقارير التي كانت ترسل إلى الملك البرتغالي من نائب ملك البرتغال في الهند، أو التي ترسل من قبل بعض المسؤولين البرتغاليين إلى ملكهم. وهناك تقارير كتبها المندوبون من قبل الحكومات أو الشركات التي زارت عُمان، وكلها استخدمتها كوثائق وشهادات على أحداث ووقائع تلك التواريخ.. وبدأت حكاية هذا الكتاب: «تاريخ اليعاربة في عُمان»، منذ عام 1623م وامتدات إلى عام 1747م».
ويكشف صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي في الكتاب أحوال عمان في تلك الفترة والتي أدت إلى ظهور دولة اليعاربة، ويرصد في الكتاب الظروف السياسية الصعبة التي مرت بها عمان قبل عام 1624م كانت من أهم الأسباب التي أفرزت ظهور دولة اليعاربة، والتي شهدت معها عمان ميلاد عهد جديد أرسى دعائمه الأمام ناصر بن مرشد الذي اتخذ من الرستاق عاصمة لحكمه الذي استمر حتى عام 1649م. ولعل شخصية الإمام ناصر بن مرشد التي حوت العلم والإيمان والأخلاق والقدرة على الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هي من الصفات التي مهدت له من أن يكون أول أئمة اليعاربة، بما يعطى الدلالة على أن إعلان البيعة للأمام من قبل علماء أهل عمان لا يتم إلا لرجل يجب أن يكون على درجة من العلم والإيمان، وبذلك شهدت عمان بتوليه للإمامة ظهور أول الوحدات السياسية العربية في منطقة الخليج والجزيرة العربية.
لقد تميزت سنوات حكم ناصر بن مرشد الأولى بالجهود التي كرسّها من أجل إتمام الوحدة الوطنية، حيث دخل في حروب ومنازعات مع زعامات محلية تميزت بقدر من الحسم، ما ضاعف من إيمان الناس بقضية الوحدة والالتفاف حوله مؤمنين بدعوته. ونظراً لأهمية القضية وعدالتها وانتصاراته التي لفتت الأنظار إليه، نجح في ضم المدن العمانية إلى نفوذه كنزوى، ومنح وسمد الشأن وإبرا وكل مدن الشرقية، ما عدا صور وقريات اللتين كانتا تحت نفوذ البرتغاليين آنذاك. كما نجح في السيطرة على مدن الظاهرة والباطنة التي فتحها الواحدة بعد الأخرى وعين الولاة على كل منها، وأخذت الوفود تفد إليه من جميع المناطق المختلفة معلنة ولائها له.
المصدر: الخليج