كاتب وصحفي سعودي
اتصلت على صديق عزيز فرقتنا المسافات والظروف. مزقت علاقتنا وحولتها إلى أشلاء متناثرة. عندما سمعت صوته بعد سنوات من الفراق والحنين تداعت في ذهني كل الذكريات الجميلة، التي جمعتنا. قلت له عفويا: اشتقت لك. لكن عندما تردد صداها في رأسي شعرت بحرج شديد. عشرة أصوات في رأسي تهزني. تردد بصوت واحد عال: ماذا فعلت يا رجل. كيف اشتقت له؟ من سلبك ثقلك ورزانتك. فتداركت قائلا: اشتقنا لكم. قبل أن أغلق السماعة، وبعد حديث شيق وممتع معه استعدنا فيه لحظات لا تتكرر قررت أن أودعه بكلمة “أحبك” تعبيرا عما أكنه له من محبة كبيرة في أعماقي تكبر وتزداد كلما تذكرت مواقفه الشهمة ومروءته. لكن لم أستطع أن أتفوه بهذه الكلمة القصيرة الصغيرة. شعرت بأنني كمن يدفع شاحنة ضخمة فلم أقدر أن أزحزح هذه الكلمة من أعماقي قيد أنملة. ظلت حبيسة قفص صدري شأنها شأن كل المشاعر التي نكتنزها نحن الشعوب العربية باحتراف.
اكتفيت بـ (مع السلامة يا حبيبنا). حبيب من؟ إنه حبيبي وصديقي أنا. لم حشدت العالم بأسره معي دون وجه حق. تشبثت بصيغة الجمع التي تعكس جبننا ووهننا وضعفنا وعدم قدرتنا على التعبير عن أحاسيسنا تجاه من نحب. من لا يستطيع التعبير عن مشاعره لا يعتد به حقا. فإذا كنا لا نملك سلطة على أنفسنا، كيف سنؤثر ونحرك ونتحرك؟ فحتى هذه المفردة تمتلكنا ولا نمتلكها.
قليل منا فقط يفشي شعوره ومشاعره. نتعامل معها كأنها جرم.. تسجن وتحبس. عدم استخدامنا هذه الكلمات الطبيعية بوفرة يجسد حقيقة ما نعانيه من فظاظة وغلظة.
لقد أصبحت هذه الكلمات جزءا من ثقافة عديد من سكان الكرة الأرضية. يرددونها بوفرة، بينما ما زلنا نتردد ألف مرة قبل أن نسكبها في آذان وأمام أبصار أحبتنا.
نحتاج إلى أن نتعلم أن نقول: أحبك يوميا عشر مرات فور أن نستيقظ وقبل أن ننام، لعلنا نجيد إشاعتها بسخاء يوما ما. فما أحوج أحبتنا لها. ستمطر أيامهم بالارتياح والسعادة.
محزن أننا نندم عندما نتفوه بالكلام الجميل. فحتى الندم لا نجيد استخدامه.
المصدر: الإقتصادية
http://www.aleqt.com/2014/11/13/article_905412.html