كاتبة سعودية
نسبة مساحة إسرائيل المعترف بها دوليا وسكانها الثمانية ملايين تقريبا، شيء لا يُذكر أمام مساحة الدول العربية التي تُحيط بها في منطقة الشرق الأوسط، ولعدم وجود تعايش شعبي سياسي معها بسبب القضية الفلسطينية، وخوفها على “ديموقرادينيتها”، حيث عنصريتها للعرق الإسرائيلي واليهودية كدين وقهرها الاجتماعي للأقليات، فإن ذلك يُشكل لها تهديدا رغم امتلاكها لأقوى الأسلحة مع الحماية الدولية، ولا ننسى طموحها بإنشاء دولتها الصهيونية من الفرات إلى النيل وبعدها الهيمنة على العالم، لذا ليس هناك من أمن كامل يتحقق ولا طموح، وهي بين دول مستقرة أكبر منها، هنا نفهم لماذا فكر “برنارد لويس” البروفسور البريطاني الأميركي اليهودي وأحد المتحيزين لإسرائيل سياسيا بـ”الشرق الأوسط الجديد” وقدمه للإدارة الأميركية، والذي أقره شيوخها بالكونجرس ليكون ضمن استراتيجيات السياسة المستقبلية، بإعادة تقسيم ما تم تقسيمه استعماريا بعد الدولة العثمانية!
وليس من شيء يحقق تفتيت “الكل” إلى “بعض” إلا الصراعات الداخلية، هذا ما خطط له حكماء صهيون في بروتكولاتهم وفيها صناعة الاضطرابات الداخلية والفوضى وانتشار الجرائم والفقر والجهل والحروب الأهلية، لأنها وسائل تساعد على إنهاك الدول وتسهيل السيطرة عليها، متخذين شعار الحرية السياسية طعما، فهي مجرد فكرة لا تقبل التطبيق في واقع متعدد يقصي بعضه بعضا، وفي ظلّ ذلك يعمل الحكم اليهودي على تقويته واستقراره، طبعا في إسرائيل.
من هنا لا نتعجب حين نلقي نظرة سريعة في محيط دول الشرق الأوسط، وكيف تسببت “شعارات الحرية المصطنعة” بصراعات طائفية وعرقية دموية، كالعراق وأفغانستان وباكستان وسورية واليمن ومصر وتونس وليبيا والسودان! ونرى قوى العالم الأول الذي تقوده أميركا تحت شعارات الحرية وحقوق الإنسان تقوم بتغذية الأقليات المتصارعة عاطفيا وسياسيا في الدول لتزداد حماسا، لكن كيف يتم نسيان دعم قوى العالم للدكتاتوريات سنوات طويلة علنا! حسني مبارك مثلا بقي 30 عاما يحصل على دعم أميركا رغم معاناة شعبه، والسبب بسيط لو تأملنا، فلولا هذا الدعم لهذه الدكتاتوريات لما أنهكت شعوبها ورزحت في الجهل والفقر والظلم ومن ثم التمرد عليها من منطلق شعارات الحرية، لتخرج وتسقط الأنظمة الفاسدة؛ لكنها شعوب مُنهكة نتيجة ضعف الوعي وترهل البنية الفكرية والجهل والفقر، هكذا تكون سريعة التفتت والاستثارة العاطفية غير العقلانية، فتسعى كل منها للجزء الأكبر من كعكة الديموقراطية! ليكون الصراع الداخلي دمويا! ويحدث ما نراه حاليا في دول الثورات العربية! فالعراق وسورية وأفغانستان منهارة، فيما ليبيا وتونس واليمن في الطريق.. إلخ، هكذا حتى يأتي الحل الأميركي بتقسيمها إلى دويلات عرقية ودينية كما في مشروع الشرق الأوسط الجديد، تماما كحال السودان الذي يوشك على الانقسام الثالث ليكون “الشمالي، الجنوبي، ودارفور”! وتبقى مصر تواجه التحدي الأكبر.
حسنا.. من يعيش الربيع حقا؟! فالصراعات العربية الدموية هنا وهناك، وإسرائيل وحدها المتفرجة تضع رجلا على رجل، تشاهد أعداءها يقتلون بعضهم بعضا ويتجهون إلى مصيرهم الجديد ضمن دكتاتوريات مقسمة جديدة ودون أن تخسر قيمة رصاصة واحدة، منهمكة بتقويتها الداخلية وتوسعة مستوطناتها المرفوضة دوليا، لانشغال العالم بـ”الخديج العربي”!
المصدر: الوطن أون لاين