عبد الله الشمري كاتب و باحث سعودي متخصص في الشؤون التركية
أفرز الربيع العربي أحداثاً داميةً وأجواءً ملتهبةً ، وشهدت أحداثه – وخاصة في سوريا مآسي وتدميرا مُكلفا ، حيث خلفت الثورة -حتى الآن – مجازر من نظام قمعي لم يسلم منها أحد ، حصدت الآلاف من القتلى والمفقودين والجرحى واللاجئين ،حيث هرب ما يزيد على المليون عن وطنهم وبلداتهم وسط الشتاء القارص والصيف الحار ،ورغم ان التحديات حقيقية وخطيرة وكبيرة إلا انه يظل هناك بارقة أمل وسط هذه الأجواء الملبدة بالمصاعب والأخطار.
ولعل من الافرازات الجديدة للربيع العربي هو نشوء ظاهرة جديدة على الواقع العربي تحديدا وهو « تدخل الشعوب العربية في شؤون شعوب أخرى « الى درجة ما يشبه الحالة المرضية حيث تجد «شعبا ما» يترك كل همومه وشئونه ويركز جهوده وإمكانياته على متابعة ما يحدث لدى شعب آخر ويحاول التأثير على مجريات الأمور تارة عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتارة عبر استخدام سلاح الفتوى -وهو سلاح خطير لأنه يمس أعز ما نملك وهو الدين – والذي يجب أن يكون مُنزها عن الاستخدام للأغراض السياسية الدنيوية لصالح جهة دون أخرى .
ولو أخذنا الحالة المصرية فيمكن القول انه وفي الوقت الذي انقسم فيه الرأى العام العربي والنخب العربية الى قسمين لم يظهر للأسف طرف ثالث لبذل الجهد في المصالحة بين الاطراف وتهدئة الامور وتقريب وجهات النظر ، وعند مناقشة البعض يحتج على ذلك بأنه حق من حقوق الديمقراطية ! وكأن بعضهم يتحدث من سويسرا او السويد ، ويمكن الاستنتاج ان دور معظم النخب العربية كان انانيا وسلبيا تجاه الاوضاع في مصر الجريحة ، حيث غلب التشنج والاستقطاب على الخطاب النخبوي والإعلامي والذي يميل لطرف محدد وضد طرف آخر وكلا الطرفين جزء لا يتجزأ من الشعب المصري العزيز .
يعتبر «مبدأ عدم التدخل من المبادئ المحمودة ليس على المستوى السياسي فحسب بل وعلى المستوى الشخصي ،و» التدخل في شئون الآخرين وهو أحد أشكال السلوك الاجتماعي يحدث من خلال التفاعل الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية مع الآخرين سواء كان مباشراً أو غير مباشر ،ويؤكد علماء النفس ان الأشخاص الذين يكثرون من التدخل في شئون الآخرين يتصفون بخصائص نفسية منها : ان لديهم دوافع لاشعورية أو مكبوتة كالحاجة للانتماء والتقدير الاجتماعي،والشعور بالنقص او الرغبة اللا شعورية بالمنزلة والتفوق والسيطرة و فرض حاجاتهم على الآخرين ، بالإضافة إلى وجود مفهوم سالب للذات ومن الامثلة غير الجيدة اجتماعيا تدخل الجار في شئون جاره أو تدخل الزوج في شئون دقيقة وتفصيلية لزوجته او اولاده مما يفقدهم حرية التصرف وتحميل الاب مسئولية اى اخفاق مستقبلي .
على مستوى العلاقات الدولية يُعرف التدخل بأنه «سلوك غير قانوني موجه لانتهاك سيادة الدول نظرا لتعارضه مع المادة 2 الفقرة 4 من ميثاق الأمم المتحدة»و دائما ما تزين وزارات الخارجية مواقعها بأن من اهم مبادئ سياساتها الخارجية « عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الاخرى وفي نفس الوقت « عدم قبول تدخل أي دولة في الشئون الداخلية لها « وغالبا ما مثل التدخل في الشئون الداخلية – والذي يمس السيادة الوطنية – سببا لتردي العلاقات الدبلوماسية او قطعها.
أخيرا وطاعة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) ،ليت الشعوب العربية والنخب خاصة تحذر من اللعب بالنار وتضبط مواقفها وتهتم بشئونها وتترك الاخرين في حالهم فهم «أدرى بشعابهم».
المصدر: اليوم