نائب رئيس شركة أرامكو سابقاً
نشرت أخيرا صحيفة “التلجراف” البريطانية مقالا عن مستقبل اقتصادنا في ظل تهاوي أسعار النفط، فيه الكثير من المبالغات وقليل من الحقائق، تحت عنوان:
Saudi Arabia may go broke before the US oil industry buckles
وتوقع كاتب المقال أن يتدهور اقتصاد المملكة قبل أن يهوي إنتاج الصخري الأمريكي. وهو يعني، ضمنيّا، أن هدف السعودية من عدم تخفيض إنتاجها كان الضغط على الأسعار من أجل تعطيل إنتاج البترول الصخري وما في حكمه، وهو ما سنعلق عليه لاحقا. ودعونا ننظر إلى الموضوع بواقعية وإيجابية. فليس سرا أن 90 في المائة من دخل ميزانية الدولة يأتي من البترول، كما ذكر الكاتب. ونحن، ومنذ سنوات طويلة، نحاول قدر الإمكان العمل على تنويع الدخل. فهذا من أهم الأمور التي تشغل بال المخلصين من أبناء هذا الوطن. ونشارك كاتب المقال في أن أمامنا تحديات اقتصادية كبيرة، لا علاقة لها بالصخري. ومستقبل اقتصادنا على المدى المتوسط ليس بالسوء الذي وصفه الكاتب، ما دمنا نملك هذه الثروة. وكلنا أمل بأن نشاهد على أرض الواقع خطوات بناءة نحو بناء اقتصاد ينمو ويزدهر من ذات نفسه، وليس اعتمادا على المصادر البترولية. وصحيح أن الظروف الحالية تحتم علينا استنزاف جزء من مدخراتنا المالية. ولكننا لسنا غافلين عما يتطلبه المستقبل، وأمامنا الكثير من الاختيارات. لعل أهمها تحجيم بعض المشاريع التي ليس لها ضرورة قصوى في وقتنا الحاضر. ولا تزال المملكة، في نظرنا، تحتفظ بورقة رابحة لإعادة الأسعار إلى مسارها التصاعدي عندما يكون ذلك هو الاختيار الأفضل.
واستعرض المقال رأي أحد الاقتصاديين الذي أعرب فيه عن عدم قناعته بترك الأسعار خلال السنوات الماضية ترتفع إلى مستوى سمح بظهور البترول الصخري والمصادر الأخرى ذات التكلفة العالية. ولعله كان يشير إلى ضرورة رفع كميات الإنتاج السعودي والخليجي آنذاك لكبح جماح الأسعار من أجل الحد من نمو إنتاج الصخري. وهو ما يعني هدر ثروتنا البترولية وعرض كميات كبيرة منها بأسعار دون المستوى المطلوب. وربما أن صاحب الرأي لا يدرك أن دول الخليج كانت تنتج حينها بأقصى قدراتها الإنتاجية، وأن معظم حقولنا قد بلغ إنتاجها الذروة. وتكلفة الإنتاج ترتفع بوتيرة سريعة. وأن محاربة الصخري في نهاية المطاف معركة خاسرة. والأفضل أن يكون هناك تعايش بين المصادر المختلفة. وألا يكون هدفنا الرئيس إنتاج أكبر كمية ممكنة وبيعها بأسعار بخسة، في الوقت الذي نجد أنفسنا فيه أمة مستهلكة بامتياز وغير قادرة على تغيير مجرى الأمور لصالح إيجاد اقتصاد ينمو ذاتيا دون الاعتماد على دخل البترول القابل للنضوب، ويعتمد على عقول وسواعد المواطنين.
ويصر البعض، وكاتب مقال “التلجراف” أحدهم، تخمينا على أن هدف السعودية ودول الأوبك من إبقاء الإنتاج عند مستوى مرتفع، والذي أدى، بجانب عوامل أخرى، إلى تدهور الأسعار، هو محاربة إنتاج البترول الصخري الأمريكي. وبصرف النظر عن الهدف الحقيقي للسياسة التي تبنتها معظم دول الأوبك، فهي حتما لا علاقة لها بالصخري. فالمملكة تدرك تماما أن إنتاج البترول الصخري سيبقى، تحكمه الجدوى الاقتصادية. ولو خسر قليلا بسبب تدني الأسعار فمآله إلى العودة لاحقا أقوى مما كان عليه سابقا، وذلك عندما تتحسن أسواق البترول عالميّا. ولا فرق بين إنتاج البترول الصخري وبين أي مصدر آخر للطاقة. فعندما يصبح الإنتاج غير اقتصادي فقد يكون من الأفضل تحديد كميات الإنتاج والتريث حتى يتحسن الوضع. وهو ما سيحدث بالنسبة لإنتاج البترول الصخري وغيره من المصادر غير التقليدية.
بالغ كاتب المقال في وصفه للتحول الذي طرأ على عمليات إنتاج الصخري، فيما يخص التكلفة. نعم، هناك تحسن كبير في الأداء أدى إلى خفض التكلفة بنسب متفاوتة. وساعد على ذلك نزول قيمة إيجار المعدات التي أصبح معظمها عاطلا عن العمل. وانخفاض أجور الأيد العاملة للسبب نفسه. ولكن لا نتوقع أن يصل الانخفاض إلى 50 في المائة ولاحقا إضافة نسبة 30 في المائة مما كانت عليه قبل أقل من سنة، كما ذكر كاتب المقال.
كانت تكلفة إنتاج الصخري، بوجه عام، تراوح معظمها بين 80 إلى 50$ للبرميل. وهناك دون شك مناطق تكلفة إنتاجها أقل من ذلك. ومن المعروف أن المنتجين اليوم اتجهوا إلى الإنتاج الأرخص من مناطق معروفة لديهم، وتركوا المناطق ذات التكلفة العالية. وقد تنخفض المعدلات السابقة قليلا نتيجة لتحسن الأداء المستمر. وذكر المقال احتمال إنتاج الصخري من أستراليا ودول أخرى خارج أمريكا الشمالية. ونؤكد له وللقارئ أن تكلفة الإنتاج من تلك المناطق تقارب ضعف تكلفتها في أمريكا لأسباب ذكرنا بعضها في مقالات سابقة، كالعوامل الجيولوجية واللوجستية التي لا يمكن الاستهانة بها. والدليل أن إنتاج الصخري الأمريكي وصل إلى أكثر من ثلاثة ملايين برميل خلال خمس سنوات ولم نشاهد إنتاج أي كمية ذات جدوى اقتصادية من مصدر خارج أمريكا الشمالية، حتى عندما كانت الأسعار فوق الـ100 دولار.
وأشار المقال إلى قضية لافتة للنظر، ألا وهي استمرار صعود إنتاج الصخري الأمريكي بدلا من نزوله خلال الأشهر الماضية. وقد يكون الكاتب لا يعلم سبب عدم الانخفاض، أو أنه يعلم ويتحدث عنه من باب الإثارة. فعندما بدأ نزول الأسعار العام الماضي وأصبحت أعداد أجهزة الحفر تتهاوى بأعداد كبيرة، كان هناك بين ألفين وثلاثة آلاف بئر محفورة وجاهزة ولكنها كانت تنتظر عملية فتحها بواسطة التكسير الهيدروليكي. واستمرت عملية تشغيلها تدريجيا فحافظت على مستوى الإنتاج، مع إضافات شهرية بسيطة. فانبهر البعض. كيف ينزل عدد الحفارات بنسبة كبيرة وترتفع كمية الإنتاج؟ ومن المتوقع الآن البدء الفعلي لانخفاض إنتاج الصخري خلال الأشهر القادمة بنسب يصعب تقديرها اليوم.
المصدر: الاقتصادية