كاتب سعودي
ليس لدى الخليجيين برامج تلفزيونية تنويرية إلا فيما ندر مما هو موجود بنسبة ما على قناة العربية والجزيرة وبعض القنوات المحلية التي لا تجيد إلى الآن الصناعة المحترفة لهذه البرامج. من برامج التنوير التي أتابعها بحرص شديد برنامج (حديث العرب) الذي يقدمه الدكتور سليمان الهتلان على قناة سكاي نيوز؛ كونه ينقلنا في بعض حلقاته إلى كثير من (المسكوت عنه) ليس في الخليج فقط بل عبر العالم العربي كله، حيث يترصد المجتمع، قصدا وجهلا، بكل خروج عن الجادة المرسومة سلفا ليرسل أصحاب هذا الخروج إلى مغبات العقاب، سواء أكان هذا العقاب محاكمة علنية تديرها الدولة نفسها، أو محاكمة مجتمعية تنفي صاحب الرأي المختلف وتسيء إليه وربما وصل الحال إلى طرده تماما من المشهد العام.!!
من حيث المبدأ لا أتفق، وربما كثير منكم أيضا لا يتفق مع كل أو بعض ما تطرحه حلقات برنامج حديث العرب، لكن المهم هو أن هذه الحلقات تلقي حتما حجارة في الآبار الراكدة. وهذا أمر مهم في عملية التنوير كونه يحرض على التساؤل وعلى التفكير فيما استقرت عليه الأوضاع لعقود بل ربما لقرون. على سبيل المثال كان المفكر العربي الدكتور محمد شحرور شبحا فكريا نندس لقراءة كتبه أو مقالاته إلى أن سمعناه في هذا البرنامج متحدثا إلى جمهور عريض من كل الطبقات والشرائح. في هذه الحالة، وهذا مربط امتنانا، تجاوزت أفكاره حدود النخبة لتصل إلى كل الناس الذين ربما يكون بعضهم لم يسمع به من قبل، ما يعني أن هذه الأفكار أصبحت قابلة للتداول على المستوى الجماهيري العام، وبالتالي فإن هذه الأفكار ستترك أثرا ما يؤدي إلى مزيد من طرح الأسئلة المحرمة ومزيد مما يحض ويشجع على عملية التفكير خارج صندوق المسلمات.
نحن، على المستوى العربي والإسلامي، في زمن ثبتت فيه، بالأفعال وليس بالأقوال، خطيئة الحجر على الأفكار المتعددة لصالح الفكر الواحد المتفرد في صياغة أفكار الناس وبناء سلوكياتهم مع أنفسهم ومع الآخر. وثبت فيه أن الإصرار على إغلاق المخارج أدى إلى ضيق الطريق وإلى مزيد من النكوص إلى الوراء والتشدد والغلو في كل شيء، حتى في علاقة المسلم بالمسلم والجار بالجار. وليس هناك من سبيل للخروج من هذا المأزق التاريخي إلا بفتح نوافذ التنوير على مصاريعها لكي تستعيد الأمة عافية التفكير الحر على المستوى الفردي والمجتمعي والوطني. وما من شك بأن البرامج التلفزيونية التنويرية هي النوافذ الأوسع والأقوى في تأثيرها على الناس.
المصدر: عكاظ