كاتب وإعلامي سعودي
في خطوة غريبة عجيبة وافقت أمانة منطقة القصيم منذ فترة قصيرة على إنشاء حديقة خاصة بالنساء، أو بتطوير حديقة كانت مهملة منذ 15 عاماً، وقبلها بفترة قرأنا بمنع مشاركة بنات صغيرات في مهرجان صيفي بالقطيف بسبب بعض الأصوات الدينية المعترضة على ظهورهن في تلك الاحتفالية، وآخر ما قرأت عنه هو اعتراض أحد المحتسبين في مدينة الطائف على مشاركة شاعرة خليجية في مهرجان للشعر لدول مجلس التعاون الخليجي، وتبعه خطاب من بعض رجال الدين معترضين على تلك المشاركة، معللين أن ذلك يتعارض مع أنظمة الدولة الرسمية.
في حقيقة الأمر أن هذا ليس بالجديد لدينا في مجتمعنا، وتتكرر مثل هذه التدخلات من بعض المتشددين دينياً في كل مشروع تحديثي نحاول كمجتمع ودولة أن نخرج من شرنقة الخصوصية المحلية المزعومة، وكأننا شعب يعيش خارج إطار هذا الكون.
وكلنا يتابع صولات وجولات تلك الجماعات إلى أبواب الوزراء والمسؤولين عندما تقوم بعض الجهات الرسمية بفتح آفاق لعمل المرأة السعودية مثلاً، فكم من هؤلاء قابلوا وزير العمل الحالي عندما اتخذت الدولة قراراتها بفتح مجالات المشاركة للمرأة في التنمية بشكل أوسع، ونسمع من بعضهم حكايات الابتزاز والتحرش بالعاملات لدينا ويقدمون أرقاماً خيالية لذلك، وكأنها أصبحت ظاهرة اجتماعية، ولا يترددون من التركيز على الدراسات الانتقائية لما تتعرض له المرأة في الغرب مثلاً من تحرش في مراكز العمل، ويحاولون جاهدين توظيف تلك الدراسات الغربية في الحد من عمل المرأة، أما من يدعو إلى عملها وخروجها بشكل طبيعي للمشهد الاجتماعي الطبيعي في مجتمعنا فإنه يدعو إلى الاختلاط والتغريب، كما هي عادتهم دائماً.
أعتقد بأن التنمية الشاملة التي نسعى إليها وتعمل الدولة لتحقيقها لا يمكن أن تتم ونحن نشاهد مثل هذه المحاولات من بعض أصحاب الرؤى الضيقة، التي تريد أن تحصر المجتمع في زاويا التخلف.
فالتاريخ الإسلامي والعربي منذ عهد النبوة، ومروراً بالدول والخلافات الإسلامية كان للمرأة حضور في محيطها اقتصادياً واجتماعياً. في زمننا المعاصر نشاهد المرأة المسلمة تحقق مكاسب على الأصعدة كافة، سواء في بعض الدول الإسلامية أم في الدول الغربية، والغريب أن بعض هؤلاء يفرحون بتلك الإنجازات للمرأة المسلمة، ولكن يحاربون مثل هذه المقاربات إن حدثت في داخلنا، وقد يكون بعضهم يوظف ذلك التناقض لمشاريعهم السياسية.
الغريب في إنشاء حديقة بريدة النسائية أن المشروع ستنفذه جهة رسمية وليس مجموعة من رجال الأعمال مثلاً، يدعمون مثل هذه المشاريع التي تهدف إلى العزل الاجتماعي لدينا، وقد يكون المحيط الاجتماعي المحافظ في تلك المنطقة هو سبب فكرة وتنفيذ هذا المشروع، ولكن علينا العمل كمنظومة واحدة في جميع مناطق المملكة، فكلنا يعرف ويتذكر قرار أمير «الرياض» السابق قبل فترة بالسماح لدخول الشباب إلى المراكز التجارية في العاصمة، وأعتقد أن هذا مسموح به في بعض المدن الأخرى بشرق المملكة وغربها، إلا أننا نفاجَأ بمثل هذا القرار من «أمانة القصيم» الذي يعيدنا إلى المربع الأول من الجدل العقيم.
قد لا أكون مبالغاً إذا قلتُ إن السياسي لدينا سابقاً لبعض فئات المجتمع في هذه القضية، وأكبر دليل على ذلك مشروع الابتعاث الخارجي الذي سمح للمرأة السعودية بالانخراط فيه مع ضوابط واضحة ومحددة، على رغم ذلك لم يسلم هذا المشروع من النقد من الجماعات التي تنادي بالعزل والإقصاء، بدلاً من أن نعيش كمجتمع طبيعي ومن دون التشكيك في جميع مكونات المجتمع والابتعاد عن نظرة النعجة والذئب في ما بيننا.
المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Akel-Il-Akel/4302707