كاتب سعودي
دعوني أفكر ولكن هذه المرة بصوت مقروء: لطالما تساءلت بيني وبين نفسي عن السبب الذي يجعل الانتحاريين السعوديين يشكلون النسبة العظمى من الذين يضحون بحياتهم في تخصص “الحور العين” وهو ما تبثه الأرقام والشواهد في مواقع القتال الساخنة.
ولهذا قلت لنفسي: ربما أن السبب الأكبر يكمن في واقعنا المحافظ، الذي لعله يبالغ في العزل والفصل بين الجنسين نسبة لسطوة العادات والتقاليد التي تعتسف الأمر وتلبسه قناعاً دينياً بحسب كمية التشديد وفي جانب الترهيب.
ينشأ الأطفال من الجنسين عندنا بشكل طبيعي ويتنامى الود بسبب القرابة أو الجيرة، ثم فجأة وعلى حين غرة يجد الشاب نفسه معزولاً بشكل تام وبقدر يفوق المعطى الديني بصورة يتداخل ويتشابك فيها الدين مع العرف والعادة، وهكذا تصبح “المرأة” أيقونة وهاجساً لا تكتمل الحياة السوية والمديدة معها إلا في الجنة. قد أكون مخطئاً لكنني أجد أن هذا الهاجس يتقلص لدى غيرنا، لأن مشهد الحياة الاجتماعية عندهم يتساوق ويتماشى مع الجبلة البشرية. أرجو أيضا أن يكون واضحا لدى الجميع أنني لا أدعو إلى حالة من الاختلاط التي تقود إلى محرم والعياذ بالله، لكنني أجتهد في تحري ما قد يجعلنا نتوسط في سلوكياتنا التي هي الآن وفي الغالب منحازة إما إلى اليمين، وإما إلى الشمال، دعك من مظهر نسائنا في الداخل فهو – في معظمه – انعكاس لما تواصى عليه الناس هنا في أعرافهم وتقاليدهم .
ولكن إذا أردت معرفة واقع القناعة فانظره في لباس نسائنا في الخارج، الذي بدوره يتيح لك معرفة الوجهات والاختيارات السياحية لبعض عوائلنا، حيث اختارت بعض العوائل المحافظة السفر إلى ماليزيا أو النمسا وإلى زيلامسي غالباً، أما العوائل المنفتحة فتذهب غالباً إلى سويسرا وفرنسا وإسبانيا، فيما تجمع لندن الحالين.
وتبالغ بعض العوائل المحافظة في تحفظها وتغطيها ولباسها إلى درجة لفت الأنظار والشهرة.
في الجانب الآخر، تبالغ بعض العوائل المنفتحة في انفتاحها وتفسخها و”تشخلعها” إلى درجة أنها تلفت نظرنا نحن السعوديين وتستقطب دهشتنا في طريقة لبسها وإظهار زينتها، بما لا ينسجم مع اللباس الإسلامي الساتر، ولهذا أشعر أن المحافظات جداً من نسائنا يبالغن في تحشمهن في الخارج نكاية وتأكيداً على حسن إسلامهن، كما أشعر أن المنفتحات جداً من نسائنا يبالغن جداً في الانتقام من حالة الكبت التي يعشنها في الداخل!
وفي حالة انفتاح بعض بناتنا ولباسهن المتغرب جداً تذكرت الفتيات الإيرانيات اللاتي يلبسن الشادور تحت ضغط وسطوة الملالي، لكنهن يقذفهن به وباللباس المحتشم منذ أن يغادرن طهران، وليس ببعيد عنا حالة نسائنا في الطائرات المغادرة والعائدة من وإلى الوطن، حين يتغير شكل ركاب الطائرة من حال إلى حال مع خلع الحجاب والعباءة في الذهاب، وارتدائها عند العودة.
وهذا الأمر يحيرني دائماً، فلربما أن هناك عجزاً فقهياً في الإقناع أو أن هناك قسراً وقسوة في أسلوب التوجيه، خلاف التحبيب والترغيب اللذين يوصلان المطلوب بأقصر وأيسر الطرق.
أخيراً، فإنني لا أفتي بحل أو بتحريم، فلست المخول بذلك، لكنني أحتار دائماً من حالة الازدواجية التي تصيب شخصياتنا وحالة “النفاق” النفسي التي يعيشها المواطن بينه وبين الآخر.
وأنا هنا أعلق الجرس فقط حتى تكون لنا هويتنا الراسخة التي لا تتبدل بحسب سطوة ولي الأمر وهو هنا الأب أو الشيخ أو رجل الحسبة. والله المستعان.
المصدر: الوطن أون لاين
http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleId=22727