كاتب سعودي
لا يمكن لدولة -لو قدر لها- أن تفعل وتقدم وتصرف وتسرف على شعيرة الحج كما تفعل المملكة العربية السعودية. ولا يمكن لدولة أن تحفر وتدفن وتبني وتهدم وتخفض وترفع وتزيل وتستبدل في نفس المكان خلال أكثر من 70 عاماً كما هو حال المملكة مع المشاعر المقدسة.
فخلال عهود كل ملوك البلاد من مؤسسها الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه ثم أبناؤه الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد رحمهم الله جميعا وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يحفظه الله- ومكة ومشاعرها تتحول بعد موسم الحج إلى ورشة عمل للتغيير والتطوير والتوسع.
لقد عمل كل ملوك هذه البلاد على التنافس في خدمة الحرمين الشريفين، ولهذا تتابعت مشاريع التوسعة في الحرمين المكي والمدني، وكذلك شق الطرق وحفر الأنفاق وبناء الجسور وحفر الآبار، وهذا ما جعلنا نحن المقيمين ندرك التغيرات والفوارق التي تحدث -مهما بدت طفيفة- خلال كل زيارة.
وقد كان من حسن حظنا أن الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة وزوارهما قد تنافس على العناية بهما جميع ملوك هذه البلاد المباركة، فصار مردود ذلك خيراً على المسلمين الذين يأتون تباعا إلى هذه البلاد للاعتمار أو الحج، وهكذا مع التسهيلات التي يسرها الله لهذه الأماكن المقدسة، فقد توافد المسلمون من كل فج عميق من أقاصي الأرض بمشارقها ومغاربها ليذكروا الله ويوقروه ويسبحوه بكرة وأصيلا.
ولم يكن من الممكن لدولة أخرى أن تفعل وتقدم وتسير على هذا النحو من الصرف المالي المستمر دون مقابل تقتصه من الحجاج والمعتمرين كضريبة مقابل هذه الخدمات المستمرة والتي كلفت المليارات، واستنزفت الجليل من الجهد، بل إن المملكة بأجهزتها الإدارية الحكومية تتركز وتستنفر كل موظفيها وتحشد كل قواها وطاقاتها لمواسم العمرة والحج، ولديها في كل ذلك مراكز الدراسات وإدارات المشاريع التي تعمل طوال أيام السنة تدرس النواقص وتستوفيها، وتتابع آخر المستجدات في سبل التطوير وتقديم الخدمات لتيسر على ضيوف الرحمن عباداتهم، ولو أن المملكة اقتصت ضريبة مقابل كل ما تقدمه لما طالها لوم أو مأخذ.
وكان مثل هذا لو تم سيشكل عنصرا رئيسا ورافدا ثانيا بعد النفط في دخل المملكة، لكنها مع ذلك كله لم تفعل ولن تفعل، والحمد لله أنها انصرفت عن هذه الهواجس المادية الدنيوية، ولهذا فقد عوضها الله رب العباد بخير من ذلك، حيث عاشت هذه البلاد -وما زالت- في بحبوحة الأمن والاستقرار والرخاء رغم كل ما يحيط بها من قلاقل وفتن وثورات.
قال تعالى: “أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم”.. وكل ناظر إلى ما حولنا سيدرك أن الناس يتخطفون رجالاً ونساء، نسأل الله أن يقي المسلمين شرور أنفسهم وسيئ نزواتهم.
وفي موضع آخر يقول تعالى: “ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض”.
وقد فتح الله بفضله ومنته على هذه البلاد وأهلها أنعاما لا تعد، وبركات لا تحصى، وذلك بسبب خدمة الحرمين الشريفين وخدمة الإسلام وأهله.
فلله الحمد من قبل ومن بعد.
المصدر: الوطن أون لاين
http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=23307