أعرف أن الكتابة ورأس المال لا يجتمعان في كثير من الأحيان، لأن الأدب فيه رومانسية ومثالية، ورأس المال واقعية وأرقام وأرصدة، إلا أنني شاركت، مضطراً، قبل أيام في حفل تأبين والد أحد الأصدقاء، حيث يعتبر المرحوم من أهم رجال الاقتصاد.
في بداية الحفل آيات من الذكر الحكيم قرأها أحد الشباب، واختار الآية 215 من سورة البقرة «يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ». صدق الله العظيم، قلت ربما إنها مصادفة ولم يقصدها الشيخ الشاب، بعد آيات الذكر، تم عرض فيلم تسجيلي عن حياة المرحوم، كل الصور كانت إما في السوق المالي وهو ينظر إلى السهم الأخضر، أو وهو يلوّح للكاميرا خارج البنك، أو يقف أمام برج شركة التأمين الخاصة به، ولقطة أخرى وهو داخل إلى وحدة الاستثمار، وأثناء مناقشته مع أحد مسؤولي سوق لندن المالي، وبعد أن انتهى الفيلم التسجيلي، ألقى أحد أصدقاء طفولة المرحوم كلمة، قال فيها إن أكثر أغنية كان يحبها الراحل هي «مالي ومال الناس»، لمحمد عبده، ثم استشهد ببعض نجاحاته الاقتصادية منذ الصغر، حيث كان يبيعهم السلاحف البرية التي كان يجمعها من السهول بأثمان باهظة. أخذت نظرة بانورامية حولي على الطاولات، فوجدت جلّ الحاضرين من مديري البنوك ، ورؤساء مجالس إدارات لمؤسسات مالية، وبعض مؤسسي شركات الصرافة، وهو أمير شركات التأمين، ليتم تقديم كلمة جديدة لمدير بنك سابق، وعلاقته مع المتوفى، حيث استعرض شهادة في ذكاء المرحوم في نشاطه التجاري، وكيف استطاع في سنوات قليلة أن يسيطر على أكثر من ثلث رأس مال البنك، حتى تلك اللحظة كنت أنتظر أن يقوم أحد المتحدّثين فيذكر شيئاً عن أعمال الخير، أو دعمه لمؤسسات غير ربحية أو جمعيات تطوعية، حتى صعد المنصّة قريب للراحل، ليقرأ أفضل الحِكَم التي كان يرددها الرأسمالي الفاضل، هنا فرحت أيما فرح، و«دوزنت» جلستي لأسمع أقوال المرحوم، فقال: كان لديه مجموعة من الأقوال هي بمثابة بنود في دستور حياته الاقتصادية، أولاً: «امرؤ بلا مال، ذئب بلا أسنان». ثانياً: «المال كالعضلات إن لم تستعملها هزلت». ثالثاً: «المال خادم جيد، لكنه سيد فاسد». رابعاً: «الرجل الذي يتبرع بالمال للجمعيات الخيرية في وصيته، فهو يمنح ما ليس له». خامساً: «لم يشنق أحد وفي جيبه مال». سادساً: «لا شيء أحلى من العسل سوى المال». وغيرها من الحكم الكثيرة التي نسيتها ولم أتمكن من تدوينها لحظتها.
في نهاية الحفل، ولكثرة ما تكلم المشاركون عن المال والصفقات التي أحرزها الراحل، خشيت أن يطلب أحد أبنائه من الحضور قراءة «الميزانية» الختامية على روح الوالد بدلاً من الفاتحة.
أخيراً، وقبل مغادرتي القاعة، شكرني الصديق على حضوري لحفل التأبين، لما له من أثر كبير في نفسه. بدوري تمنيت للوالد الرحمة والمغفرة، وأن يفوق رصيد حسناته رصيد دولاراته، وأن تزهر روحه «المقبوضة» كازدهار شركاته. ثم سألته: أنت متأكد أن ما جرى حفل تأبين أم اجتماع الهيئة العامة لـ«الجروب»!
المصدر: صحيفة الإمارات اليوم