خبير، قطاع الرقابة على الأداء الحكومي ومدرب في ديوان المراقبة العامة والأمانة العامة لدول الخليج والمجموعة العربية لأجهزة الرقابة العليا (آربوساي). - مدرب مشارك في الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين وعضو في لجنة تطوير النظام المحاسبي في المملكة ، لدي العديد من البحوث والدراسات المنشورة في مجال المحاسبة والرقابة.
تحدثت فيما سبق عن خرافة السحر والتصور الذهني له في المجتمعات الإسلامية، فكانت الانتقادات الموجهة بأني تجاهلت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تثبت حقيقة السحر كعالم خفي تسيطر عليه الجن والشياطين، ومن هنا يتضح أن خرافة السحر اقترنت للأسف بالإسلام وجعلته جزءا منها، وبالتالي من ينكر السحر بمعناه الاجتماعي فهو يعتبر منكرا لأصل من أصول الدين أو ثوابته، بالرغم من أن الإسلام يثبت عكس ذلك تماما وأن السحر مجرد خداع وخرافة!.
لنأخذ على سبيل المثال الآيات القرآنية التي يستدل بها البعض لإثبات حقيقة السحر والاستعانة بالجن والشياطين، ومنها قول الله عز وجل {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولـكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر} البقرة102، فالمقصود بالشياطين في الآية هم بنو إسرائيل الذين كذبوا وافتروا على نبي الله سليمان، وليس معنى الشياطين هنا الجن والأرواح والأشباح، كما يعتقد البعض. كما أن لفظة «شيطان» في اللغة العربية تعني الشر والباطل والابتعاد عن الحق، ولا تعني جنس كائن مخلوق، والمقصود بتعليم الناس السحر هو الكذب والخداع والتضليل وإثارة الفتنة بين الناس.
وفي قوله تعالى: {فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم }، تفسير هذه الآية عند الناس أن السحرة يستعينون على ذلك بالشياطين للتنزع وإيقاع العداوة والبغضاء، والحقيقة أن السحرة يستغلون المشاكل الزوجية فيثيرون الفتنة بين الزوجين عن طريق النميمة أو الوشاية.
وفي هذا الصدد وردت حكاية أن «امرأة أرادت إفساد ما بين زوجين، فجاءت إلى الزوجة فقالت لها: إن زوجك معرض عنك وهو يريد أن يتزوج عليك، وسأسحره لك حتى لا يرغب عنك ولا يريد سواك،
ولكن لا بد أن تأخذي من شعر حلقه بالموس ثلاث شعرات إذا نام، وتعطينها إياي حتى يتم سحره، فاغترت المرأة بقولها وصدقتها. ثم ذهبت إلى الرجل وقالت له: إن امرأتك قد أحبت رجلا وقد عزمت
على أن تذبحك بالموس، ولزمني نصحك فتيقظ لها هذه الليلة، فلما جاء الليل تناوم الرجل في بيته، فجاءت زوجته بالموس، لتحلق بعض شعرات من حلقه، ففتح الرجل عينيه فرآها وقد أهوت بالموس إلى حلقه، فلم يشك في أنها أرادت قتله فقام إليها فقتلها»، وهكذا كان السحر بسبب الوشاية والنميمة.
ومما سبق يتضح أن المضرة التي قد يحدثها الساحر لا تخرج عن كونها حيلا ودسائس يلبسونها لباس السحر ليغرروا بالسذج، كما أنهم قد يستخدمون أدوية وأعشابا تضر بالإنسان، فيعتقد البعض أنها بسبب الجن والشياطين. وهي في الحقيقة مجرد أدوية أو مخدرات تؤثر في العقل، أو إعطاء الإنسان بعض الأغذية السامة التي لها تأثير على الصحة والبدن، فإذا أكله الإنسان تصرف تصرفا غير سليم، فيقول الناس: به مس أو إنه مسحور.
ومن الآيات القرآنية الأخرى التي يستدل بها على إثبات حقيقة السحر ما جاء في قوله تعالى في سورة الفلق: (قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شر حاسد إذا حسد)، فالسورة تتحدث عن الخرافات المسيطرة على الناس آنذاك، وتستعيذ بالله وحده من الساحرات والكاهنات اللاتي لا يترددن من الإضرار بالناس عن طريق النميمة والوشاية أو عن طريق إطعامهم أو سقيهم ما يضرهم من سموم، فالسورة لا تثبت وجود السحر بمعناه الخرافي، بل تنير عقول الناس وتوعيهم بأنه لا وجود للسحر بالمعنى الذي يعرفونه.
وليس هذا وحسب، فقد نزلت سورة الناس لتؤكد ما جاء في سورة الفلق، وذلك في قوله تعالى: (قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس)، يقول أحد الباحثين «الوسواس يكون نتيجة لمشاعر خفية في النفس البشرية (من الجنة) الشيء الخفي وليس الجن كمخلوقات حية، كما يتولد الوسواس نتيجة لحديث، أو تأثير نفسي من الناس».
أما بخصوص ما يستدل به بعض رجال الدين لإثبات حقيقة السحر بما روي أن يهوديا سحر النبي صلى الله عليه وسلم فاشتكى لذلك أياما، فقد اختلف علماء المسلمين حول هذا الحديث، وهنا أكتفي بقول الله عز وجل في سورة الإسراء: (نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوىٰ إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا).
وخلاصة القول: إذا أردنا بالفعل مكافحة السحر والشعوذة، يجب علينا أولا تغيير الثقافة السائدة في المجتمع عن مفهوم الجن والسحر، حينها سيختفي السحرة والمشعوذين بسبب وعي المجتمع بهذه الخرافة، ولكن يبدو أن هناك من يريد ترسيخ هذه الخرافة وكأنها حقيقة واقعة لأنها تدر أموالا طائلة على أصحابها سواء أكانوا سحرة أو معالجين وراقين.
المصدر: الوطن السعودية