كاتب من الإمارات
لعل أخطر ما يواجه العالم العربي اليوم هو عودة مشاريع «التآمر» الخارجي المعززة بالفوضى والاضطرابات الداخلية والاحتراب الأهلي الذي أصاب نسيج المجتمع العربي منذ بداية ما يسمى «الربيع العربي»، والذي هو جزء من مشاريع التآمر ومدخل لدفع الأمور في داخل الدول العربية إلى مرحلة «التفكك والتفتت». ولم يعد الأمر مقتصراً على دولة عربية بعينها، بل بات من الواضح أنه يستهدف الجميع دون استثناء تقريباً.
وللذين يتشككون في فكرة المؤامرة ويفسرونها وفق تصوراتهم السياسية على أنها نوع من الوهم، نقول لهم إن ذلك غير صحيح؛ فالمؤامرة حقيقة تاريخية أثبتها التاريخ في كل مراحله ومنذ بداية الخلق، وهي حقيقة من حقائق السياسة حيث تكثر الدسائس والمكائد، وقد تحدث عنها القرآن الكريم، وتعرض المسلمون في تاريخهم القديم والحديث لمؤامرات كثيرة؛ من سقوط الأندلس إلى اتفاقية سايكس بيكو التي مكنت المشروع الصهيوني من احتلال فلسطين. ومن يريد المزيد بإمكانه الرجوع إلى ما قاله كبار رجال السياسة والمخابرات في الغرب في مذكراتهم حول هذه الحقيقة ونماذجها الكثيرة على أرض الواقع.
إن اللعبة الكبرى التي تجري اليوم في المنطقة العربية، تحت مسميات وشعارات مختلفة، ما هي إلا نوع من الحفاظ على التوازن الاستراتيجي الذي تريده القوى الكبرى فيما بينها بواسطة وكلائها المحليين والإقليميين في المنطقة العربية، للحفاظ على مصالحها ومجالات نفوذها وارتكازها في المنطقة الاستراتيجية.
وكما تدل أحداث ما يسمى «الربيع العربي»، فهناك في واقع الأمر صفقات قد تكون أكبر مما يتصوره كثير منا، تستخدم فيها أساليب متطورة وتدار معاركها في ساحات مختلفة. فهناك مواجهات في أماكن مختلفة من العالم العربي، من فلسطين إلى العراق وسوريا وليبيا واليمن.. وليس انتهاءً بالسودان والصومال. مناطق ملتهبة بصراعات محتدمة، لا نعدم بين أسباب اشتعالها عوامل مثل الاستبداد والطائفية والفاشية.. لكن العامل الخارجي حاضر بقوة في هذه الصراعات.
وخطورة هذه الاضطرابات المدمرة هو تأثيرها على مجمل الوضع في المنطقة، خاصة بعد أن أصبحت إيران وإسرائيل عنصرين أساسيين في كثير من هذه التدخلات، وأصبح التعاون الأميركي مع إيران واضحاً لاسيما في العراق وأفغانستان، مما يشجع طهران على مد نفوذها أكثر فأكثر واستكمال مشروعها النووي الذي تهدد به المنطقة، والذهاب قدماً في مشروعها الآخر من أجل إقامة «الهلال الشيعي» في المنطقة العربية. وقد كان رئيس الوزراء العراقي السابق إياد علاوي واضحاً في تأكيد خطورة مثل هذا السيناريو، عندما قال لمحطة «سي ان ان» الأميركية، «إن العراق ماض على طريق التقسيم، وإن اللاعبين الأساسيين في العراق اليوم هما إيران وتركيا، وإن مثل هذا السيناريو سوف يجعلنا نرى عراقاً جديداً لا نعرفه مستقبلا». ويضيف علاوي أن العراق ماض إلى النمط السوري في الصراع، أي الحرب الأهلية.
فهل ينتبه العرب لخطورة ما يجري في منطقتهم قبل فوات الأوان.
المصدر: الاتحاد