تبدأ المرأة في المملكة غداً تجربتها النظامية الأولى في قيادة السيارة، وتسير جنباً إلى جنب مع الرجل في الطريق، حيث تمثّل في ظاهرها مساواة بين الجنسين في الحقوق، ولكن في عمقها تعبّر عن رسائل كثيرة اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وحتى سياسياً، حيث لم يخل ملف المرأة السعودية في مجلس حقوق الإنسان العالمي من السؤال المتكرر بعد كل اجتماع لمناقشته: متى تقود المرأة في السعودية؟، وسؤال آخر: كيف توقع السعودية اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) والمرأة لا تحصل على أقل حقوقها في قيادة السيارة؟!.
اليوم أصبحت المملكة بعد اتخاذ هذا القرار وقرارات أخرى خلال الأشهر الماضية عضواً منتخباً في اللجنة الدولية المعنية بالقضاء على أشكال التمييز ضد المرأة، وهو إنجاز تاريخي، إلى جانب تغيير الصورة النمطية الغربية عن المملكة التي امتدت لعقود وكانت المرأة أحد أهم محاورها، فضلاً عن إسكات الأصوات الإعلامية والحقوقية التي كانت تنظر للمرأة في المملكة بطريقة سلبية رغم الحقائق والمنجزات التي تحققت لها، والدليل أن الإعلام الغربي تناول قرار قيادة المرأة للسيارة على أنه من بين أهم الأحداث والقرارات التي اتخذتها المملكة في 2017.
القرار انعكس على الداخل السعودي على أنه حل اجتماعي لمشكلات المرأة مع وسائل النقل أثناء الذهاب إلى العمل أو الجامعة أو المستشفى أو التسوق أو عند قضاء احتياجات الأسرة، وحل اقتصادي لمشكلات السائقين الذين بلغ تعدادهم (1,5) مليون سائق خاص في المملكة، ويرهقون ميزانية 45 % من الأسر التي يعملون معها بما لا يقل عن خمسة مليارات ريال سنوياً، وحل ثقافي لصورة المرأة والمجتمع السعودي عموماً الذي بقي نصف تعداده من النساء محرومين من قيادة السيارة.
والواقع أن قيادة المرأة للسيارة في المملكة ليست حلاً فقط لمشكلات متراكمة منذ عقود كما يسوّقه البعض في حديثه، بل هي في الأساس حق يندرج تحته كافة تلك الحلول، وهو ما يجب أن نتعامل معه في ثقافتنا السعودية الجديدة تجاه المرأة في الحصول على كافة حقوقها، وحمايتها ورعايتها من خلال قوة النظام، وهيبة الدولة، وقطع الطريق على أي مزايدات ذكورية تحاول أن تمنعها من حق قيادة السيارة أو غيرها من الحقوق الأخرى.
ولذا؛ كان نظام التحرش، والعمل الجديد، والحماية من الإيذاء، وبرنامج جودة الحياة، وقبلهم رؤية السعودية 2030 داعماً لحق المرأة، وليس حلاً لما تواجهه من مشكلات فقط، وهنا تأكيد على أن الدولة ماضية في تمكين المرأة من كافة حقوقها، والتحليق بها ومعها في شراكة حضور عالمية، حيث يكون لها الريادة والقوة الناعمة الجديدة لسعودية ما بعد النفط.
المصدر: الرياض