الأمين عام لهيئة البيئة - أبوظبي
حسب إحصاءات الوكالة الدولية للطاقة، ازداد الطلب على الطاقة بأكثر من الضعف بين عامي 1973 و2012، حيث ارتفع حجم إمدادات الطاقة الأولية لجميع أنواع الطاقة من نحو 6100 مليون طن من المكافئ النفطي عام 1973، إلى أكثر من 13000 مليون طن في عام 2012.
كما زادت انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن احتراق هذا الوقود خلال الفترة عينها إلى الضعف لتزيد على 31000 مليون طن.
هذه الوتيرة العالية التي يتم بها استهلاك الطاقة، وبالتالي حجم الانبعاثات الناتجة عنه، تأخذنا في طريق غير مستدام من آثاره ارتفاع متوسط درجات الحرارة في العالم بأكثر من درجتين مئويتين، ما يؤدي، بحسب اعتقاد معظم علماء المناخ، إلى تغير جامح في المناخ لا يمكن السيطرة عليه أو تعديله بمجرد تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن النشاطات البشرية.
وفقاً للسيناريو المركزي للوكالة الدولية للطاقة، من المتوقع نمو الطلب العالمي على الطاقة بنسبة 37% بحلول عام 2040. هذه التوقعات ليست بعيدة عن إمارة أبوظبي التي وبسبب النمو السكاني والاقتصادي وبالتالي الطلب المتزايد على الطاقة، تتوقع أن يتضاعف استهلاك الكهرباء فيها ثلاث مرات بحلول عام 2030 مقارنة بعام 2012.
ويكمن التحدي بالنسبة لنا جميعاً في تلبية الطلب المستقبلي على الطاقة مع تفادي الآثار السلبية لهذا الارتفاع مثل تغيرات جامحة في المناخ لا يمكن السيطرة عليها.
بعبارة أخرى، نحن بحاجة إلى تلبية هذا الطلب المستقبلي ولكن بطريقة تفك الارتباط بين الزيادة في الطلب على الطاقة وزيادة انبعاثات غازات الدفيئة من أجل أن نحمي أنفسنا ضد أسوأ آثار تغير المناخ.
ولكي نفعل هذا، هناك عدد من الخيارات المتاحة تشمل: تحسين كفاءة تقنيات إنتاج الطاقة الحالية، وتحسين كفاءة استخدام الطاقة للحد من الطلب في المستقبل، وتطوير حلول لالتقاط الكربون وتخزينه على نطاق تجاري يساعد على الاستفادة من الوقود الأحفوري في المستقبل، وتنويع مزيج الطاقة ليشمل تقنيات منخفضة الكربون.
ونحن في إمارة أبوظبي نسعى وراء جميع هذه الخيارات، فمثلاً استطعنا بين عامي 1999 و2013 خفض إجمالي حجم الوقود بـ 18% نتيجة لتحسين كفاءة تقنيات الطاقة الحالية.
وأثبتت دراسة تجريبية أن هناك إمكانية للحد من استهلاك الكهرباء في عمليات التبريد بنسبة تقارب 31% إذا تم اتخاذ التدابير المناسبة لرفع نسبة كفاءة استهلاك الطاقة.
وفي الإطار نفسه، تمّ منع استيراد أو بيع المصابيح الكهربائية منخفضة الكفاءة والجودة، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض ملحوظ في التكلفة. ومن الناحية النظرية، يعادل هذا الوفر القدرة على غلق محطة توليد كهرباء متوسطة في الإمارات تدار بالغاز لمدة ستة أشهر في العام.
كما تم تحسين استدامة المباني وتصميمها من خلال تنفيذ برنامج «استدامة» ونظام التقييم باللؤلؤ. كما تسعى مبادرة «مصدر للطاقة النظيفة» إلى التركيز على استكشاف وتطوير المشاريع التجارية الخاصة بالتقاط الكربون واستخدامه وتخزينه.
وتشمل الأهداف طويلة الأمد لهذا البرنامج بناء شبكة وطنية لالتقاط الكربون من محطات توليد الطاقة والمصانع واستخدام ثاني أكسيد الكربون لتعزيز عملية استخراج النفط بدلاً من إعادة حقن الغاز الطبيعي في حقول النفط لتحفيز تدفق النفط.
ومن الخطوات الواجب اتخاذها لفك الارتباط بين عمليات إنتاج الطاقة وزيادة الانبعاثات هو تنويع مصادر الطاقة للاستفادة من تقنيات الإنتاج منخفضة الكربون، إضافة إلى المساعدة على ضمان استمرار الإمدادات. وقد حددت الإمارات هدفاً ضمن رؤية الإمارات 2021 للوصول إلى 24% من الطاقة من مصادر نظيفة (نووية ومتجددة) بحلول عام 2021.
وقد بدأت العمل بالفعل في سبيل تحقيق هذا الهدف، ففي مارس 2013، دشّن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، محطة «شمس 1» التي كانت وقتها الأكبر من نوعها لإنتاج الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية المركزة في العالم. وينتج المشروع، الذي يقع في المنطقة الغربية في أبوظبي، 100 ميجاوات من الكهرباء المتصلة بشبكة التوزيع، وينتج طاقة نظيفة تكفي لتزويد 20 ألف منزل بالكهرباء في الإمارات.
كما يجري العمل على قدم وساق في محطات الطاقة النووية في أبوظبي، ومن المقرر دخول أول وحدة من أربع وحدات الخدمة بحلول عام 2017 على أن تكون جميعها جاهزة للعمل بقدرة كل منها 1.4 جيجاوات بحلول عام 2020. وستدير مؤسسة الإمارات للطاقة النووية هذه المحطات وتنظم عملها الهيئة الاتحادية للرقابة النووية. وبحلول عام 2020 سيتم إنتاج ربع الكهرباء في الدولة تقريباً من الطاقة النووية، ما سيجعل الإمارات خامس أكبر دولة في العالم تستخدم الطاقة النووية لإنتاج الطاقة محلياً. تضمن الزيادة في إنتاج الكهرباء وتنويع مصادر الطاقة تلبية أبوظبي للزيادة في الطلب على المدى المتوسط، وتسهم في تجنب الاعتماد على مصدر واحد لتوفير معظم كمية الطاقة، وتقلل من التعرض لتقلبات أسعار الوقود الأحفوري.
وبحسب تقديرات الوكالة الدولية للطاقة، أسهم استخدام الطاقة النووية منذ عام 1971 في تفادي انبعاث 56 جيجاوات من غاز ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يعادل عامين تقريباً من إجمالي الانبعاثات العالمية بالمعدلات الحالية، ولكن عملية صنع القرار المستقبلي فيما يخص الطاقة النووية هي عملية معقدة. وعلى الرغم من أن بعض الدول ملتزمة بالتخلّص التدريجي من الطاقة النووية، إلا أن الوكالة الدولية للطاقة تتوقع في السيناريو المركزي أن تزداد القدرة النووية العالمية من 392 جيجاوات في عام 2013 إلى أكثر من 620 جيجاوات في عام 2040 حيث تحاول الدول تحقيق التوازن بين الطلب المتزايد والحاجة إلى الحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون.
هناك مخاوف عامة تتعلق بالطاقة النووية يجب التعامل معها بشفافية. وتتركز المخاوف بصورة أساسية حول درجة الأمان في تشغيل المفاعلات، ومنع انتشار الأسلحة النووية وإدارة النفايات المشعة. ووفقاً لتوقعات الوكالة الدولية للطاقة، فإن كمية النفايات النووية ستتضاعف بحلول عام 2040، وبينما يمكن تخزين هذه النفايات بأمان، إلا أنه وحتى اليوم لم تؤسّس أي دولة منشأة للتخزين الدائم لتلك النفايات.
ومن المهم لطمأنة الجمهور ضمان جهة رقابية قوية ومستقلة، وفي حالة الإمارات، فإن هذه الجهة هي الهيئة الاتحادية للرقابة النووية. كما أن الإمارات هي عضو في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ووقعت على العديد من الاستراتيجيات المتعلقة بالشفافية التشغيلية، وحظر الانتشار، والسلامة. ومع هذا التوجه الاستراتيجي لفصل الكربون من كل من جانبي العرض والطلب في معادلة جانب الطلب على الطاقة، تأمل دولة الإمارات في خفض كثافة الكربون بشكل كبير، والوصول إلى اقتصاد يتميز بالتنافسية وكفاءة الطاقة، والمساهمة في النمو الأخضر عن طريق خلق وظائف في قطاعات الطاقة النظيفة وكفاءة الطاقة.
المصدر: الإتحاد