كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية
وقفت نفسي “القروية” ذليلة ذابلة حائرة أمام الصور الحركية المتبدلة عند الوجه الأمامي لمدخل الفندق. في هذه الأمتار المربعة تتقابل كل نقائض طبائع التحول المذهل في المجتمع السعودي. في هذه الأمتار المربعة تتواجه البرجوازية الأرستقراطية مع القادمين من أسفل القاع الاجتماعي. في هذه الأمتار المربعة مساحة مذهلة لمن يخشى من سهام العين فلا أعلم لماذا تكثر طلبات “الرقية” عند الفقراء والمعدمين بينما لا يخاف هؤلاء البرجواز من مساحة مفتوحة على المصراعين لعين أو نظرة. في هذه المساحة من الأمتار المربعة شاهدت ما لم أشاهده قبل شهرين أمام فندق “وول دورف استوريا” بنيويورك: شاهدت سلسلة سيارات “حمراء” وكل واحدة لا يرفع سقفها عن الأرض بشبرين وكأن سائقيها يسحبون على الأرض في قلب “كرتون” رغم أنهم دفعوا الملايين قيمة لكل سيارة واحدة.
في هذه المساحة من الأمتار المربعة شاهدت ما يلي وهنا الزبدة: أحمد، شاب سعودي في العشرين، وقادم إلى أمتار الخيال من “خنشليلة”، مهمته أن يفتح الباب الفندقي وأن يتأكد من نظافة السجادة الزرقاء أمام بوابة الفندق. يقول لي: هؤلاء لا يلمسون أطراف الزجاج منذ أن ضربت كورونا بأطنابها. هؤلاء يخشون مقابض الأبواب العامة ولكنهم أبداً لا يخشون العين والسحر. سألته ولماذا هذه الوظيفة فأجاب: كنت متفوقاً جداً في الدراسة وكنت الأول على كل صفوف التعليم حتى “ضربتني عين”. لا أعلم لماذا تكثر “العين” في “خنشليلة”. مهمة “سلطان” فتح أبواب السيارات عندما تقف أمام البوابة وهو لا يلمسها إلا بقفازات بيضاء ومن البروتوكول أيضاً أن يفتح كفيه أمام الضيف كي يتأكد إن أراد من لونها الأبيض.
يقول لي: مرة أخطأت في معرفة اتجاه المقبض فتحطم جزء منه على يدي ليخرج صاحبها غاضباً: أتعرف كم قيمته لوحده؟ كانت نكتة كبرى مع زملائي ونحن نحسبها لوحدها براتب عام مكتمل. صار العام كله لدينا لا يساوي مقبض باب لفيراري واحدة. عبدالرحمن “يركن” سيارات الضيوف على طريقة “الغالية”: ما هي الدهشة في مهمته؟ يعود لبيته مضخماً بروائح العطور وفي الأيام الأولى لعمله بدأت عليه شكوك زوجته. يقول لي: أهداني أحدهم زجاجة عطر جديدة. ذهبت بها إلى السوق فوجدت أن قيمتها تساوي راتب ثلاثة أشهر ومن أجل الحاجة بعتها بأجرة نصف شهر.
المصدر: الوطن أون لاين