أجمع خبراء ومحللون اقتصاديون ورجال أعمال سعوديون وبحرينيون ويمنيون على أن إعلان السعودية والإمارات والبحرين عن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر المتهمة بدعم الإرهاب وغلق الأجواء والموانئ البرية والبحرية معها بداية لدخول الاقتصاد القطري أزمات كبيرة ربما هي الأكبر خلال تاريخ قطر بكل تداعيات ذلك على جميع القطاعات الحيوية من بنوك وتجارة حركة طيران ونقل وأعمال واستثمار وأسواق المال ما أصاب أطراف الاقتصاد القطري بشلل شبه كامل.
وأكدوا في تصريحات لـ «الاتحاد» أن &rlmتداعيات قطع العلاقات مع قطر اقتصادياً تتسع يوماً بعد يوم لتشمل كل مفاصل الاقتصاد، وأثرت على الحياة المعيشية لعامة الناس وخاصتهم حتى منذ اليوم الأول للمقاطعة كون قطر تعتمد اعتماداً شبه كامل على السعودية والإمارات في تغطية حاجياتها من المواد الغذائية، فيما شكلت قيمة واردات قطر من السعودية وحدها من المواد الغذائية والمشروبات خلال العام الماضي 2016 نحو 52 في المائة من إجمالي وارداتها الغذائية والمشروبات من دول الخليج.
وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة جدة الدكتور سالم باعجاجة إنه بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على المقاطعة الخليجية لقطر المتهمة بدعم الإرهاب فان اقتصادها بلا شك قد بدأ يترنح بدليل لجوء الدوحة لبيع أصول في كبريات شركاتها ومصارفها بعدما نقل جهاز قطر للاستثمار حيازات من أسهم محلية تزيد قيمتها على 30 مليار دولار إلى وزارة المالية، غير أن أول المؤشرات على الخسارة الكبيرة التي تعيشها قطر حالياً كانت التراجع الكبير الذي سجله سوق المال القطري بعد إعلان السعودية والإمارات والبحرين قطع العلاقات معها.
وأضاف: قرار مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما» والبنوك المركزية في الدول الأخرى المقاطعة بتجميد المعاملات البنكية والتحويلات المالية مع البنوك القطرية قد انعكس سلبا على الاقتصاد القطري، حيث توقفت كافة التعاملات التجارية بين الشركات السعودية ونظيرتها القطرية عبر النظام المصرفي، كما تتعرض بورصة الدوحة لخسائر متتالية، فضلا عن شح السيولة وانخفاض قيمة الريال القطري مشيرا إلى أن كثيراً من الدراسات الدولية أكدت أن استمرار عزلة قطر يمكن أن يضعف معايير تصنيف قطر السيادي، لاسيما في شأن عناصر السيولة وتمويل القطاع المصرفي.
وقال باعجاجة: هناك غموض كبير يكتنف مستقبل الاقتصاد القطري بشكل عام نتيجة المقاطعة، ومن المؤكد انه سيواجه يوما بعد يوم المزيد من التعقيدات والخسائر فقد هبطت بالبورصة القطرية الى أدنى مستوياتها منذ 7 سنوات، بحسب بلومبرغ، فضلا عن الارتفاعات التي يشهدها معدل التدوير اليومي للأسهم والتي تجاوز الـ 4 أضعاف، نظراً للقلق الشديد لدى المتداولين وحجم تخوف المستثمرين في البورصة القطرية من الإجراءات الخليجية على الاقتصاد وبيئة الاستثمار في قطر.
وكانت مؤسسة «كابيتال انتليجينس» توقعت أن ترتفع مخاطر التمويل الخارجي إذا استمرت الأزمة السياسية بضعة أشهر وتأثير الأزمة على التمويل العام، مما يؤثر على ميزانية الحكومة وارتفاع العجز المالي، الذي بلغ 4% من إجمالي الناتج المحلي عام 2016، مشيرة إلى أن استمرار عزلة قطر يمكن أن يؤدي إلى حلول بعض الاستحقاقات المالية، لاسيّما الالتزامات نحو الشركات والمؤسسات التي تملكها حكومة قطر، مما يؤدي إلى ارتفاعات في الديون الحكومية «.
من جهته اعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك فيصل د. علي بن عبد الرحمن آل خميس أن المواطنين القطريين والمقيمين في قطر يعانون من ارتفاعات كبيرة جدا في أسعار السلع والمنتجات الغذائية، بسبب المقاطعة وما نجم عنها من إغلاق لمنفذ سلوى البري والذي كان يعبره سنويا 350 ألف شاحنة اغلبها محملة بآلاف الأطنان من البضائع والمنتجات الغذائية ومواد البناء، فيما تعبره أكثر من مليون وثلاثمائة ألف سيارة مختلفة، فيما تشير الأرقام إلى أن معبر أبو سمرة القطري المقابل لمعبر سلوى الحدودي بين البلدين استقبل أكثر من 326 ألف زائر فقط في شهر واحد مطلع السنة الجارية.
وقال لا شك أن السعودية والإمارات تعتبران من أهم الشركاء التجاريين لقطر، خاصة في مجال المواد الغذائية، إذ تأتي الدولتان في المرتبة الأولى والثانية من حيث الدول المصدرة للمواد الغذائية إلى قطر، بإجمالي 310 ملايين دولار، حسب بيانات عام 2015، وحتى قبل المقاطعة وطوال الأعوام الماضية اعتاد آلاف القطريين والمقيمين في قطر على المجيء إلى المنطقة الشرقية من السعودية للتسوق وشراء المواد الغذائية من أسواق الاحساء والدمام والخبر نظرا لقربها من قطر.
وأضاف آل خميس : القطريون والمقيمون في قطر كلهم يعرفون مدى أهمية وحيوية منفذي سلوى من الجانب السعودي وأبو سمرة من الجانب القطري في تزويد السوق القطري بأكثر من 80% من احتياجاته من المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية اليومية، فهذا المعبر البري لقطر مع المملكة يمثل الشريان الرئيس للغذاء لقطر وحلقة وصل أساسية لوصول الواردات القطرية، حيث وصل التبادل التجاري في 2015 قرابة 8 مليارات ريال ويشمل المواد الغذائية والمنتجات البترولية ومواد البناء وغيرها.
وقال إن محاولات النظام القطري تعويض المنتجات الغذائية والاستهلاكية السعودية والإماراتية بالاستيراد من إيران وتركيا رفع من تكلفة الاستيراد لذلك تضاعفت أسعار هذه المنتجات في السوق القطري ولا شك أن هذا الوضع الاقتصادي سيعمل على ظهور تضخم ناشئ وسريع في السوق القطرية، لأن المستهلك القطري سيعاني من عدم توفر المنتجات والخدمات بسهولة. علاوة على ذلك، ستعاني المنتجات من ضعف الرقابة وعدم التحكم في الأسعار وستفقد الدولة السيطرة على التحكم في السوق.
ومن جانبه، أكد الخبير في اقتصاديات النقل الجوي فهد بن سعد اللامي أنه في ظل عدم وجود أي بوادر انفراج للازمة القطرية يبدو أن الوضع ينذر بمستقبل مجهول ينتظر مكونات الاقتصاد القطري عموما والخطوط الجوية القطرية كأحد روافد ومكونات هذا الاقتصاد على وجه الخصوص اذ بدأ نزيف الخسائر التي تتعرض لها هذه الشركة العملاقة مع مضي الوقت لإضعافها والحد من تنافسيتها في سوق الطيران على مستوى المنطقة.
وقال إن الشركة التي تعتبر ثاني أكبر شركة طيران في العالم العربي كانت تطلق في السابق 52 رحلة يومية إلى الدول العربية الأربع التي قاطعت قطر، وفقاً للبيانات الرسمية سوف تخسر حوالي 80% من إجمالي أرباحها لتكون بذلك اكبر قطاعات الاقتصاد القطري تضررا من العزلة التي وضعها النظام القطري على البلاد. وأضاف اللامي : لمعرفة حجم الخسائر التي تعرضت لها الخطوط القطرية جراء منعها من الهبوط أو الإقلاع في المطارات السعودية فقط دون غيرها من الدول المقاطعة الأخرى وكذلك دون حساب الخسائر الناجمة عن منع مرورها عبر الأجواء السعودية الى دول أخرى فانه يمكن حسابها كالتالي: القطرية كانت تسير 15 رحلة يوميا الى السعودية تقل أكثر من 4000 مسافر، منهم 95% ترانزيت على القطرية نفسها إلى دولهم ما يعني ان خسائرها اليومية مقابل ذلك تصل الى 4,109,589 ريال يوميا ( أربعة ملايين ومائة وتسعة آلاف وخمسمائة وتسعة وثمانين ريالا يوميًّا). ومضى يقول: هذا يعني ان جملة الخسائر السنوية تصل إلى أكثر من مليار ونصف ريال سعودي، جراء الحظر الجوي لطائرتها على أجواء المملكة فقط، فما بالك بأرقام مماثلة أو اكثر منها مع الامارات والبحرين أو مصر، فضلا عن الخسائر الناجمة عن منع الخطوط القطرية من استخدام أجواء الدول الأربع للعبور الى دول أخرى ما يضطر الشركة الي استخدام أجواء وممرات أبعد من شأنها ان تزيد من الفترة الزمنية للرحلات وتزيد المسافة التي تقطعها مما يضاعف من حجم الخسائر. وفي سياق متصل كانت تقديرات شركة فوريست آند سوليفان للاستشارات، وهي شركة متخصصة في قطاع الطيران، أن الاستمرار في الوضع الحالي يعني أن إيرادات شركة الخطوط القطرية ستتراجع بنحو 30% عما كانت عليه في السابق.
يشار إلى أن الخطوط القطرية تصل حاليًا إلى 150 وجهة في العالم، وتمكنت خلال السنوات الماضية من استقطاب عدد كبير من المسافرين إلى الوجهات الأخرى في العالم بحيث يستخدمون الدوحة كـ»ترانزيت»؛ حيث وصل عدد المسافرين الذين استخدموا مطار الدوحة العام الماضي إلى 37.3 مليون مسافر.
المصدر: الاتحاد