تتجه العديد من التحليلات السياسية المعمقة وغير الانفعالية لموقف قطر من مخرجات قمم الرياض الثلاث التي أثبتت علو كعب السياسة السعودية دولياً، وكذلك ردة الفعل الإعلامية «السعودية الإماراتية» القوية والفورية حول هذا الموقف هو أن الدوحة نقضت تعهداتها السابقة بالتزام الخط الخليجي بعدم الاستمرار في تحالفاتها مع إيران والإخوان على النحو الذي يطعن الخاصرة الخليجية.
ولا شك في أن قمم الرياض (السعودية، والخليجية والعربية الإسلامية) مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد دشنت حقبة جديدة وتحولات كبرى في السياسة الإقليمية في العالمين العربي والإسلامي، عنوانها نهاية الدور الإيراني العبثي في المنطقة، ونهاية التنظيمات الجهادية الإسلامية بشقيها السني والشيعي، ونهاية التشيع السياسي والتسنن السياسي، ونهاية كل جماعات الإسلام السياسي وتنظيماتها المنتشرة في الدول الإسلامية، ونهاية فوضى علاقة الدين بالدولة.
ويتفق كثير من المحللين الاستراتيجيين أنه كان على قطر أن تفهم وتستوعب هذه التحولات التي تمثل بداية لانتهاء الفوضى والحروب التي أثخنت المنطقة بسبب تلك العوامل، إذ أن المرحلة الجديدة لا وجود فيها لأحزاب على أساس ديني ولا وجود لتنظيمات جهادية، ولا إخوان مسلمين وأنصار شريعة ولا حزب الله ولا حشد شيعي ولا غيره، وأن إيران ستوقع في نهاية المطاف على هذا التوجه، وستتخلى عن ثوابتها السابقة، لتعود وتنخرط في النظام الإقليمي والدولي الجديد.
وأكدوا في تصريحات خاصة لـ «الاتحاد» أن قمم الرياض دشنت أيضاً عودة أميركية إلى المنطقة بعد نحو عشر سنوات من الغياب حيناً، والتواطؤ حيناً آخر مع إيران وحلفائها بالعراق وسوريا، موضحين أن مخرجات لقاءات الرياض أكدت أن النظام الإيراني لا يصلح أن يكون شريكاً للمجتمع الدولي، ولأنه أصبح من مخلفات الماضي ومنتهي الصلاحية في عصرنا.
وقالوا: «إن قطر وإيران سترضخان لا محالة للنظام الجديد الذي سينظم المنطقة العربية والإسلامية بقيادة سعودية خالصة، لكونها الدولة الأكبر في المنطقة اقتصادياً ودينياً وجغرافياً وأمنياً وعسكرياً، خاصة بعد أن تتسلم من واشنطن منظومة الأسلحة الاستراتيجية المتطورة التي لا تملكها أي دولة في المنطقة سوى إسرائيل، وفقاً لصحيفة الـ«واشنطن تايمز» الأميركية، إذ أيقنت إدارة ترامب بأهمية ضمان التفوق العسكري السعودي على مستوى العالمين العربي والإسلامي لتعزيز دورها السياسي في قيادة المنطقة نحو السلام والاستقرار.
وقال أستاذ العلوم السياسية سليمان عبد الكريم الراشد: «إن الرياض نفد صبرها إزاء محاولات قطر لعب دور أكبر من حجمها وتجاهل شقيقتها الكبرى المملكة العربية السعودية، سواء من خلال ارتباطها بدول تعمل على زعزعة أمن دول المنطقة، أو بسبب مواقفها وعلاقاتها مع منظمات، صُنفت بإجماع خليجي على أنها منظمات إرهابية كميليشيا حزب الله وتنظيم الإخوان الذي تحتضن الدوحة قادتها».
وأضاف: «كيف لا تغضب الرياض التي تكن كل الحب والخير لقطر وشعبها، وهي ترى شقيقتها الصغرى تتحالف مع عدوها اللدود حتى إنها قبل عامين، أي في 2015، دافعت عن الصفقة النووية مع إيران أمام الأمم المتحدة، وأعلنت أنها أول من دعم وشجع على تسوية الملف، وتستمر في مواقفها المتضامنة مع إيران التي أصبحت منبوذة دولياً».
وقال: «إن القراءة في توجهات الاستراتيجية الجديدة تُشير إلى أن مرحلة العنف، بكل أشكاله، العسكري والإرهابي، إلى زوال، وأن ثمة خططاً جدية وسريعة للقضاء على القواعد الإرهابية، وملاحقة قادتها ومموليها، والعمل على تخليص المجتمعات العربية والإسلامية من شرورها».
من جهته، قال الباحث في الشؤون الأمنية والقضايا الفكرية ومكافحة الإرهاب الدكتور محمد بن حمود الهدلاء: «اعتقد أن نجاح قمم الرياض التي جمعت رؤساء وممثلي 55 دولة عربية وإسلامية تحت عنوان «العزم يجمعنا» لم يرق للقيادة القطرية بل أثار حفيظتها، لشعورها بأن أحد مرتكزات سياستها الخارجية وهو احتضان التنظيمات الإسلامية، وبناء تحالف مع طهران، قد هدم مع بلورة نظام شرق أوسطي جديد، لا مكان فيه لـ «إيران الثورة»، ولا للتنظيمات القائمة على أسس دينية كـ»الإخوان»، و»حماس»، وغيرها من جماعات الإسلام السياسي الذين يعتبرون الدوحة جنتهم الوارفة».
وأضاف: «المنطقة بعد قمة الرياض الأخيرة لن تكون كما كانت عليه قبل القمة، إذ أنه وبغض النظر عن التحليلات السياسية الوقتية للقمة كحدث سياسي، فإن لقاءات الرياض لم تكن حدثاً سياسياً، بل كانت مفصلاً تاريخياً، وانعطافاً حاداً في شكل السياسات المقبلة لجميع دول المنطقة».
أما الكاتبة والباحثة السياسية السعودية د. حسناء القنيعير فقد اعتبرت أن قطر ستضطر إلى الرضوخ إلى متطلبات النظام الإقليمي الجديد الذي صاغته قمم الرياض الثلاث، وهي القمم التي أثبت من خلالها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز علو كعب السياسة السعودية ليس إقليمياً أو عربياً فقط بل عالمياً.
وأضافت: «الأدوار التي لعبتها قطر في المرحلة السابقة على المستوى الإقليمي لا مكان لها في مرحلة ما بعد قمم الرياض ، فقد دعمت الدوحة «حماس» على حساب السلطة الفلسطينية ما عمق الانقسام بينهما، ودعمت الإخوان على حساب حكومات وجماعات أخرى، وتحالفت مع إيران، وتدخلت في سوريا وليبيا، ودعمت فوضى ما سمي بـ «الربيع العربي»، ولكن كل هذه الأدوار لا مكان لها إقليمياً بعد قمم الرياض، وهذا ما أثار حفيظة الدوحة».
وأوضحت أن الأشهر القليلة المقبلة ستمثل اختباراً حقيقياً وصعباً أمام الإرادات السياسية التي التقت في الرياض، وفي مقدمتها اختبارات ردع التمدد الإيراني وإيقافه، ويأتي بعده اختبار إطفاء الحرائق في اليمن وسوريا وليبيا، وثالث الاختبارات إنهاء حالة الركود الاقتصادي، الذي يغطي سماء المنطقة بعد انخفاض أسعار النفط.
المصدر: الاتحاد