ضابط في شرطة دبي برتبة مقدم ، حاصل على درجة الدكتوراة من جامعة سالفورد بالمملكة المتحدة في إدارة التغيير وعلى درجة الماجستير في الإدارة العامة (MPA) من جامعة ولاية أوريجون بالولايات المتحدة الأمريكية، مهتم في مجال الجودة والتميز المؤسسي ، يعمل حالياً مديراً لمركز أبحاث التميز بالإدارة العامة للجودة الشاملة بشرطة دبي
محمد بابا يبلغ من العمر اليوم 85 سنة ( الله يعطيه الصحة والعافية )، قبل أكثر من أربعين عامًا وبالتحديد في سنة 1968 ترك قريته الصغيرة بالبروم ديستج هناك في ولاية كيرالا الخضراء بالهند وقدم إلى الشارقة. بدأ محمد في بيع المثلّجات للناس على البحر، واستمر على هذا الوضع لمدة عامين، وبعدها صنع له عربة من خشب وبدأ في بيع المكسرات، كان السيد محمد بابا مشهورا في بيع النخي أو مايعرف بالحمص الجاف المملح، و لايزال مكانه موجودا في منطقة المريجة بالشارقة . السيد محمد بابا سن سنة حسنة في تجارته، يكسب من خلالها زبائنه بأسلوب جميل و مؤثر، فهو يضع بجانبه أكياسًا صغيرة بحجم كف اليد، ليهديها إلى زبائنه كهدية إضافية بجانب مشترياتهم ، في داخل تلك الأكياس مكسرات متنوعة تستمتع بها في سيارتك وبدون مقابل، وهو فعل- بلاشك- يترك في قلبك الأثر الكبير رغم بساطته.
اليوم .. أصبحت علاقة المسؤول أو التاجر مع المتعامل حساسة جدا وخطرة مع وجود العالم الافتراضي بين أيدينا، فالمتعامل بمجرد تلقي المعاملة السيئة يستطيع أن ينقل تلك الخبرة للعشرات بل المئات وأحيانا تكون موثقة بالصور، لذا وجب علينا الحرص والعمل بكل همة ونشاط لإرضاء كل المتعاملين.
البرت شنايدر رجل أعمال ناجح، كتب مقالا بعنوان ” خمسة أسرار لخدمة عملاء متميزة ” دوّن فيها خلاصة خبرة امتدت لأكثر من عشرين عاما في مجال التجارة والأعمال، أسرار شنايدر هي:
الأولى: ابن جسورَ الولاء مع زبائنك وهي أهم الأسرار ورقم واحد في نجاح كل عمل، والمعادلة هنا جدا بسيطة، فقط تقرب من عميلك، تعرف على اسمه، واهتماماته .. تذكرها جيدا ولاتنساها، وإن عاد يوما بادره بالسلام : مرحبا أستاذ خالد ..؟ كيف هو ابنك عامر .. هل دخل الجامعة ؟ بربكم .. أليست هذه المقدمة السهلة، والاهتمام الجميل يسعد النفس ويزيد الولاء ..!
ثانيا: قبل أسابيع زرت فندق العنوان – داون تاون وعند أذان المغرب ذهبت للاستقبال سائلاً عن مكان المصلى ، فقالت لي الموظفة: اتبعني، فذهبت بي للمصعد واختارت لي الطابق المطلوب حيث يوجد المصلى ومن ثم خرجت وقالت : تفضل،بمجرد أن يفتح باب المصعد ستجد المصلى أمامك.
حقيقة انبهرت من هذا التصرف الراقي، وبعد ساعة رجعت مرة أخرى للاستقبال سائلا هذه المرة عن المطعم فوجدت أمامي موظفة مختلفة عن الأولى، وبعد الاستفسار قالت لي أيضا: اتبعني حتى أوصلتني أمامه وقالت : تفضل هنا المطعم، مع العلم المكان لم يكن ببعيد ..! هذا مايقصده السيد شنايدر بالضبط ” تجاوز توقعات المتعامل” ، كان باستطاعتهم استخدام الوصف الكلامي مع الإشارة كما يفعل( 99%) من الناس، لكنهم أبوا إلا أن يكونوا من (1%) المتميزين.
النقطة المهمة الثالثة احذر من ( المشتكي الصامت ) ذلك المتعامل الذي يتلقّى الخدمة السيّئة ويخرج دون أن يشتكي، تذكر هنا بأن هذا العميل لديه أصدقاء ، وأصدقاؤه أيضا لديهم أصدقاء، تأكد إن لم يتكلم أمامك بلاشك سيتكلم خلفك. ضع أمامك وأمام موظفيك العبارة المشهورة ” المتعامل دائما وأبدا على حق ” وإن لم يكن كذلك .. حاول أن تستمع بإنصات واعمل على حل المشكلة بصورة فورية، فالناس لاتحب أن تنتظر.
الرابعة: وهي لفئة رجال الأعمال الشباب: ” لاتحاول أن تزيد أرباحك .. بل اعمل على التوفير للمتعاملين” هكذا ببساطة ..! ابحث عن كل مايرضي عميلك وبأوفر سعر.
أما الخامسة والأخيرة : اهتم بالعميل جيدا، عندما يطلب منك المساعدة ركز وصب جل اهتمامك عليه وحده، لاتتركه يخرج إلا وعلى محياه ابتسامة الرضا وتأكد أنه في مساء هذا اليوم سينقل لكل من يقابله تجربته الجميلة معك.
اليوم ..محمد بابا ترك الشارقة منذ سنوات وعاد لقريته يستمتع بجمال طبيعتها في كيرلا، ولكن أبناءه لايزالون على العهد، قد لا يكونون ملتزمين بكل هذه الأسرار الخمسة، ولكن بالتأكيد هم طبقوا واحدة كانت كفيلة أن تكسب قلوب الناس.. فليس هناك أجمل من ذكرى بسيطة تضعها في يد إنسان تشعره باهتمامك و تقديرك.. وبالنسبة لي كانت أخر زيارة لهم قبل أيام فكانت ختامها مسك ونخي.
خاص لـ ( الهتلان بوست )