ربما يؤدي الخلاف الدبلوماسي بين قطر وجيرانها الخليجيين إلى تعطيل استثمارات بمليارات الدولارات في المنطقة، ويبطئ مساعي تحسين كفاءة اقتصاداتها، من خلال إصلاحات في قطاعي التجارة والنقل.
وعلى الرغم من ثروة قطر الضخمة من الغاز الطبيعي، إلا أن نمو اقتصادها قد يتباطأ إذا تقلصت روابطها التجارية والاستثمارية مع الاقتصادات العربية الخليجية الكبيرة. وقد تعاني جميع الاقتصادات في المنطقة في الأجل الطويل إذا أدت التوترات الدبلوماسية إلى عرقلة مشاريع، مثل تشييد شبكة خليجية للسكك الحديدية، وتطوير منطقة للتجارة الحرة. وربما يحرم ذلك أيضاً شركات أجنبية من عقود للتشييد بمليارات الدولارات.
وقال جون سفاكياناكيس، كبير خبراء الاستثمار في «ماسك»، شركة استثمار مقرها الرياض، إن النزاع الدبلوماسي لن يؤثر على الفور على أنشطة قطاع الأعمال في منطقة الخليج، لكن سيكون هناك تأثير في الأشهر والسنوات المقبلة إذا لم تنحسر التوترات.
وأضاف أن النتيجة المحتملة، في حال انعزال قطر عن المنطقة، ستكون «استثمارات أقل وتحويلات رأسمالية أقل وعدد أقل من المشاريع المشتركة والمزيد من الأشياء السلبية لقطر».
ولم تظهر دلائل على التحرك نحو فرض أي عقوبات اقتصادية، وتكهن مسؤولون ورجال أعمال في المنطقة بأن الحكومات ستبقي النشاط الاقتصادي بمعزل عن السياسة.
وقال أكبر البكر، الرئيس التنفيذي لشركة الخطوط الجوية القطرية، المملوكة للدولة للصحفيين في برلين: «الدول في منطقتنا لا تخلط السياسة بنشاط الأعمال». لكن الاقتصاد يميل إلى أن يتأثر بالسياسة في الشرق الأوسط، فيما يرجع جزئياً إلى أن الكثير من الشركات الكبرى تسيطر عليها الدولة، ولأن الحكومات الخليجية أصبحت تعمد إلى استخدام ثروتها النفطية كأداة دبلوماسية.
وربما ترى قطر، باعتبارها أكبر مصدر في العالم للغاز الطبيعي المسال، أنها بلغت مبلغاً من الغنى يجعلها لا تحتاج التجارة والاستثمار من الدول الأخرى لرخائها الاقتصادي ما دامت قادرة على مواصلة بيع الغاز إلى الأسواق الدولية.
وسجلت ميزانية الحكومة القطرية فائضاً بلغ 27.3 مليار دولار أو 14.2% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية حتى مارس الماضي. ويعني ذلك أنها يمكنها استيراد الغذاء والتكنولوجيا والعمالة التي تحتاجها من جنوب آسيا وأوروبا ومناطق أخرى.
وأشار فاروق سوسة، كبير الخبراء الاقتصاديين بسيتي جروب في الشرق الأوسط، إلى أنه بسبب أن الدول الخليجية تركز على صادرات الطاقة، فإن لها روابط اقتصادية قليلة نسبياً فيما بينها. وقال إن التجارة خارج مجال الطاقة بين قطر والدول الثلاث الأخرى، بلغت حوالي 1% من مجمل التجارة القطرية.
لكن ستكون هناك بعض العواقب المالية إذا استمرت التوترات الدبلوماسية لفترة طويلة، إذ أن مواطني الدول العربية الخليجية
مستثمرون نشطون في أسواق الأسهم في كل من الدول الأخرى، وقد تبدأ تدفقات الأموال هذه بالتراجع. ويقدر محللون أن مواطني مجلس التعاون الخليجي غير القطريين ربما يمتلكون 5 إلي 10% من الأسهم في البورصة القطرية، التي تبلغ القيمة السوقية للأسهم المسجلة فيها حوالي 175 مليار دولار. وهبط المؤشر الرئيسي للأسهم القطرية 2.1% أمس الأول مع ظهور أنباء النزاع الدبلوماسي.
وأشار ناصر سعيدي، رئيس شركة ناصر سعيدي وشركاه للاستشارات في دبي، إلى أن قطر مستثمر في السوق العقاري المزدهر بدولة الإمارات، والذي قد يخسر مصدرا للأموال إذا طال أجل النزاع. وتحرص شركات قطرية كبيرة، مثل بنك قطر الوطني، على التوسع في الخليج للهرب من قيود سوقها المحلي الصغير، وهي قد تجد ذلك أكثر صعوبة في المستقبل.
ومن المنتظر أن تبدأ الخطوط الجوية القطرية تسيير خطوط محلية في السعودية في الربع الثالث من هذا العام، بعد أن كانت إحدى شركتي طيران أجنبيتين فقط، منحتا حقوقاً لخدمة السوق السعودي الذي يبلغ حجمه حوالي 30 مليون مسافر. وإذا تصاعدت التوترات في نهاية المطاف إلى عقوبات اقتصادية، فإن أكبر شيء عرضة للتأثر سلبياً في الخليج سيكون، على الأرجح، خط أنابيب «دولفين انرجي» الذي ينقل حوالي ملياري قدم مكعبة من الغاز يومياً من قطر إلى الإمارات العربية وسلطنة عمان.
وقال سوسة: إنه لا يتوقع أن تستخدم إمدادات الغاز كسلاح اقتصادي، لكنها سلاح محتمل مهم. ويقدر محللون أن تدفق الغاز يمثل حوالي 5% من إجمالي صادرات قطر، وحوالي 30% من حاجات الإمارات من الغاز. وأضاف قائلاً: «إذا حدث شيء لخط الأنابيب، فسيكون وضعاً يصعب معالجته في الجانبين كليهما.
ولقطر أيضاً روابط للطاقة مع بقية الدول الخليجية من خلال «أوبك»، حيث أيدت بشكل تقليدي سياسات السعودية باعتبارها المنتج المهمين في المنظمة.
والمصلحة الذاتية ربما تمنع سياسة الطاقة من أن تصبح منغمسة في النزاع الدبلوماسي. وقال مصدر بشركة قطر للبترول، عملاق الطاقة المملوك للدولة: «جميع مشاريع الغاز وعلاقات (أوبك) المرتبطة بالنفط مع مجلس التعاون الخليجي لن تتأثر».
لكن مبادرات مشتركة أخرى بين قطر وجيرانها الخليجيين، بعضها مهم لجهود تلك الدول لخلق المزيد من الوظائف بالقطاع الخاص وتنويع اقتصاداتها لتقليل الاعتماد على النفط، قد تتعطل. وقد يحرم هذا شركات أجنبية من عقود للتشييد بمليارات الدولارات. وتناقش البحرين وقطر منذ سنوات احتمال بناء جسر فوق البحر بطول 40 كيلومتراً للربط بينهما، ومن الصعب تصور أن يمضي هذا المشروع قدماً في ظل المناخ الحالي. وربما يتعطل أيضاً مشروع قيمته 15 مليار دولار على الأقل لربط الدول الخليجية بشبكة مقترحة للسكك الحديدية في الأعوام المقبلة.
وحتى قبل تفجر النزاع الدبلوماسي، فإن مقترحاً لوحدة نقدية لمجلس التعاون الخليجي بدا مجمداً، لأن المسؤولين الخليجيين أصبحوا متشككين إزاءه، بعد أن شاهدوا الصعوبات في منطقة اليورو. وهناك مبادرات اقتصادية أخرى كانت تبدو مرجحة بشكل أكبر، لكنها أصبحت الآن تبدو أقل ترجيحاً. ففي 2003 دشن مجلس التعاون الخليجي منطقة للتجارة الحرة برسوم خارجية موحدة، وأزال هذا إلى حد بعيد حواجز تجارية ظاهرية داخل التجمع الخليجي لكن ممارسة وظائفها كاملة عطلته اختلافات حول كيفية تقاسم إيرادات الجمارك.
وتحاول سلطة للاتحاد الجمركي أنشاها مجلس التعاون الخليجي حل المشكلات، لكنها ربما تجد الآن أن ذلك أكثر صعوبة. كما أن تبني مقترح لاستحداث ضريبة للمبيعات في مختلف دول المجلس، وهو إصلاح رئيس لتقليل اعتماد الحكومات على الإيرادات النفطية، يبدو بعيداً أيضاً.
المصدر: رويترز