كاتب وأكاديمي عربي
إن تشبيك الدين بالسياسة يعد أكبر خطأ مفاهيمي وعملي في آن واحد لأنه يفسد الأمرين معاً، وخاصة عندما يتبجح البعض بضرورة إصلاح الدين للسياسة وهنا مكمن الإشكال الذي لا يمكن معالجته إلا بعملية فك الاشتباك والفصل بين ما هو ديني وسياسي في الشؤون العامة للمجتمعات.
ينبغي إبعاد الدين ومتطلباته عن المجال السياسي في المجتمع نظراً لقدسية الأول وسماويته ومتعلقات السياسة البعيدة عن مثالية الأخلاق لأنها ترتكز على المصالح التي ترسي مبادئ العمل السياسي بين الأفراد أو المجتمعات والدول.
منذ دخول العالم العربي إلى نفق «الربيع العربي» المظلم وتولي جماعات الإسلام السياسي في بعض الدول دفة الحكم فيها زاد هذا الخلط بين ما هو ديني بحاجة إلى إصلاح أيضاً، خاصة في جانب ضيق الأفق وصعوبة إنزال المفهوم على الواقع المتغير، ومسائل الحكم التي هي بحاجة ماسة إلى مساحة كبيرة من مرونة الحركة نحو الأمام بدل التعلق بقضايا الماضي الذي لا يمكن إعادة إحيائه فقط بمجرد تولي «الإسلاميين» مقاليد الحكم في أجزاء من عالم العرب أو المسلمين.
إن ممارسة الحكم شيء وممارسة شعار الدين وطقوسه شيء آخر وليست هناك حكومة في العالم تقف حائلاً دون ممارسة أي إنسان لتفاصيل معتقداته، فهذا ينطبق على كل الجهات الأربع وهو أمر مدرك لدى الجميع، إلا أن الإشكالية تقع عندما يدعو بعض أصحاب ممارسة التعاليم الدينية إلى تقويض الأنظمة المستقرة لضمان حرية ممارسة الأديان في نظرهم القاصر!
إن إصلاح الفساد في أي مجتمع مطلب سامٍ والذي يساعد على تحقيقه هو كافة القوانين والتشريعات التي تقف ضد الفساد بشكل عام وفي أي قطاع، والدول التي تشكو من استشراء الفساد في بعض أروقتها تتنادى بكل ما تملك من إمكانات للوصول إلى صيغة متفق عليها لوقف زحف الفساد في بنية المجتمع حتى تحافظ على النماء والرخاء بشكل انسيابي ودائم، فالحكومات والشعوب متزامنة في المضي باتجاه ما هو أصلح لسير العملية التنموية التي لا تحتاج إلى تغيير أنظمة بأكملها حتى يتم الإصلاح المراد وما حصل من فوضى واضطراب في دول التغيير خير شاهد بأن ما حدث فيها لم يدفعها إلى الأمام خطوة نحو الإصلاح المزعوم.
إن مناداة البعض بالإصلاح السياسي المشوب بالدين أثبتت عدم صدق هذا التوجه لأن الهدف المنشود أصبح واضحاً في السعي نحو السلطة بأي ثمن من قبل جماعات مسيّسة كانت لعقود تزعم بأنها لا علاقة لها بالحكم وأن هدفها النهائي هو إصلاح دين المجتمع وأعطت نفسها الصلاحية المطلقة للقيام بذلك وكأنها الوصية المعتمدة على الشعوب من قبل الرب.
عندما أنزل الله تعالى الدين المقدس على المجتمعات لإصلاح شؤونها الخاصة والعامة كان يعلم سبحانه بأن المجتمعات ليست مقدسة فإصلاحها بحاجة إلى الكثير من عمليات الإعداد المسبقة التي يتولاها رأس الدولة بأعوانها، بشرط عدم وجود فئات تجعل من نفسها قضاة يحاكمون الناس على أنفاسهم وحركاتهم إن كانت مطابقة للدين أم مخالفة له، حتى يصل البعض إلى مرحلة التجرؤ على الشرعية السياسية في المجتمع واتهامها بمخالفة الدين والشريعة وما بينهما من أحكام حتى تقع الفتنة التي لا تفرق بين الصالح والطالح في المجتمع، وبين المصيب والمخطئ، وهنا تقع قمة الإشكال التي هي بحاجة إلى دقة النظر والاعتبار في مآل هذه الدعوات التي تفوض جذور بنيان المجتمعات وتذرها مهلهلة لا تقف أمام رياح التغيير الفاسدة، والتي تفسد الدين والسياسة بحجة واهية أوقعت أجزاء من العالم العربي في فساد من نوع آخر أذهبت بالأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار أدراج الدعوات الفاسدة.
المصدر: الإتحاد