باحث سعودي
لا أظن أن معركة غزة ستفضي إلى تحولات استراتيجية في المشهد الفلسطيني. سيكون المسار على الأرجح شبيها بما جرى في 2012 وقبلها. ويبدو أن المطلب الرئيس لحماس وحلفائها هو إحياء اتفاق 2012 الذي رعته القاهرة، والذي كان أهم مكاسبه هو فتح معبر رفح.
إسرائيل ــــ على الجانب الآخر ــــ تريد تجريد غزة من صواريخها وتدمير الأنفاق التي استخدمت لكسر الحصار، لكن ليس مرجحا أن تحصل إسرائيل على هذا المطلب، فلا حماس ولا غيرها قادرة على ضمانه.
فتح معبر رفح لن يفيد الفلسطينيين كثيرا، ولا سيما في ظل تردي العلاقة بين حماس والقاهرة، وعدم توافق القاهرة مع حركة حماس.
أظن أن على الفلسطينيين والعرب المطالبة بفتح ميناء غزة، ليكون البوابة الرئيسة للقطاع المحاصر. نعلم أن إسرائيل كانت ترفض أي بحث في هذا الموضوع، لكني أظن أن الظروف الراهنة في المنطقة تسمح بالإصرار على هذا المطلب. وأظن أن العالم العربي وحلفاءه قادرون اليوم على فرض خيار كهذا.
عنصر القوة الرئيس في الموقف الفلسطيني هو صمود المقاومة وسلاحها الذي أربك الحياة في إسرائيل طيلة أيام الحرب، ومنع جيشها من اجتياح غزة كما تمنى قادتها. وفي جانب الحلفاء نشير إلى استعداد بعض الدول الإسلامية لإرسال سفن إغاثة عبر الميناء المحاصر. وعلى المستوى الدولي شهدنا تعاطفا مع الغزاويين لم يسبق له مثيل في الأعوام السالفة. بالتأمل في حادثة الاعتداء الإسرائيلي على سفينة مرمرة التي كانت تحاول خرق الحصار في أيار (مايو) 2010، نستطيع القول أن إسرائيل ليست في وضع يمكنها من المغامرة بتأزيم علاقاتها مع تركيا.
ثمة أيضا عنصر جديد لا علاقة له مباشرة بالموقف الفلسطيني، لكنه يؤثر في التصور الدولي العام، أعني به ظهور “داعش” كرمز لتصاعد التطرف الديني ـــــ السياسي القادر على تعبئة الجمهور المسلم. رأينا حتى الآن كيف أثر هذا التطور على موقف أوروبا والولايات المتحدة من الأزمة السورية، ونعلم أن فكرة “التعبئة الأممية” تمثل احتمالا مرعبا لهذه الدول، التي اختبرت تأثيرها خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي السابق وخلال الحرب في أفغانستان. تمدد “داعش” أو نظائرها إلى الساحة الفلسطينية بات اليوم احتمالا وشيكا إذا ما دفع الفلسطينيون إلى حافة اليأس. ولعل بعض المراقبين قد التقطوا إشارات قوية إلى مثل هذه المشاعر في نداءات الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
زبدة القول إن الظرف الفلسطيني والظرف الإقليمي لا يسمحان بتحولات سياسية جوهرية، لكن يسمحان بدفع المطالب الفلسطينية خطوة إلى الأمام. وأظن أن الإصرار على فتح ميناء غزة تحت إشراف الأمم المتحدة هو المطلب الذي ينبغي الإصرار عليه الآن. وإذا تحقق، فإنه سيمثل لبنة قوية في مسار “حل الدولتين” الذي تتبناه الولايات المتحدة.
المصدر: الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2014/07/29/article_871648.html