كاتب سعودي
استخدام الإنترنت؛ لنشر الدعاية واستقطاب أعضاء جدد والحصول على تمويل مالي، من بدهيات الحديث عن تنظيمات العنف واستخدامها للفضاء الإلكتروني منذ أعوام. فقد طورت شبكة الإنترنت مجالاً تفاعلياً بلا قيود رقابية، مكن الجماعات المعادية للدول والنظام العالمي من استغلاله لمصلحتها. فقد كان تنظيم القاعدة -مثالاً- ينشط عبر المنتديات الإلكترونية في بداية الألفية؛ لنشر أدبياته، إضافة إلى استخدامه الإنترنت لبث الفيديوهات التي تنتجها مؤسسات التنظيم.
لاحقاً، تمت مواجهة حضور تنظيم القاعدة من خلال إستراتيجيتين، الأولى: إغراق المنتديات التي ينشط فيها تنظيم القاعدة بحسابات تواجهه فكرياً، وهو ما أفقد خطاب «القاعدة» بريقه واستفراده بالساحة.
الإستراتيجية الثانية: كانت تأسيس أجهزة المخابرات الدولية منتديات إلكترونية جهادية من أجل الإيقاع بأعضاء تنظيم القاعدة والمتعاطفين معهم. انتشرت هذه المنتديات، حتى قيل إن المخابرات الأميركية وحدها «سي آي إيه» أسست آلاف المواقع الجهادية.
خلال الأيام القليلة الماضية، تعرض مؤسس «تويتر» جاك دورسي لتهديدات بالقتل من أشخاص يدَّعون صلتهم بتنظيم «داعش»، بعد إغلاق «تويتر» حسابات تابعة لأفراد التنظيم. هذه التهديدات ليست سوى نتيجة لحملة للموقع واستهدف خلالها آلاف الحسابات التابعة للتنظيم، تروج لفيديوهات القتل التي ينشرها، وتمجد بعملياته وتبررها.
دائماً ما كانت النقاشات حول تنظيم القاعدة سابقاً، أو «داعش» الآن، تركز على مضمون الرسائل الإعلامية التي ينشرونها، ولم تحظَ أساليبهم في إرسال هذه الرسائل بجهد بحثي يذكر. لكن حربهم الحالية مع موقع «تويتر» تعطي انطباعاً عن صعوبة السيطرة على الإنترنت، ولاسيما مواقع التواصل الاجتماعي مثل «تويتر» و«فيسبوك»، بسبب طبيعتها.
حاول متعاطفون مع التنظيم -لاحقاً- إنشاء موقع جديد خاص بهم على غرار «فيسبوك»، حمل عنوان «خلافة بوك»، لكن سرعان ما أغلقوه -موقتاً-؛ بسبب شكهم بقدراتهم على حفظ بيانات المنتسبين على الموقع، وهو ما يجعل أعضاء التنظيم والمتعاطفين معه على مرمى نيران أجهزة الاستخبارات العالمية.
أظهرت دراسة حديثة من معهد بروكينغز حول حضور تنظيم داعش في «تويتر» صعوبة مواجهة التنظيم إلكترونياً، فعدد الحسابات التي تدَّعي الانتماء إلى التنظيم أو تتعاطف معه تزيد على 46 ألف حساب. الكثير من هذه الحسابات تنشر من العراق وسورية، أماكن وجود التنظيم ونفوذه. كما أظهرت الدراسة أن متوسط عدد متابعي حسابات التنظيم في «تويتر» تقدر بألف متابع، وهو عدد كبير إذا أخذنا في الاعتبار حداثة معظم الحسابات التابعة والمتعاطفة مع التنظيم (تم إنشاؤها في 2014 بحسب الدراسة)، والأمر الآخر إغلاق موقع «تويتر» الحسابات النشطة بشكل مستمر. فقد أغلق الموقع ما لا يقل عن ألف حساب تابع لـ«داعش» خلال الفترة بين شهر أيلول (سبتمبر) وكانون الأول (ديسمبر) 2014، وما زال استهداف حسابات «داعش» بالإغلاق مستمراً.
أعتقد بأن أهم ما جاء في دراسة بروكينغز هو التأكيد على النواة الصلبة الإلكترونية لتنظيم داعش، والذي يقدر عدد الفاعلين فيها ما بين 500 و 2000 حساب على «تويتر»، وهو ما يعني أن تأثير «داعش» وحضوره عبر الموقع لم يخلقه فقط كثرة عدد الحسابات، ولكن مجموعة من الحسابات القليلة النشطة جداً (2000 من 46 ألفاً).
هناك عوامل عدة تجعل مواجهة «داعش» أو أي تنظيم آخر إلكترونياً اليوم غاية في الصعوبة. منها طبيعة مواقع التواصل الاجتماعي. فبينما كانت هناك قابلية عالية للتحكم في محتوى المنتديات الإلكترونية، باعتبار أن لكل منتدى مؤسساً ومشرفين يراقبون المحتوى، وبيدهم صلاحيات الحذف وإغلاق الحسابات، تفتقر مواقع التواصل الاجتماعي اليوم إلى مثل هذه الرقابة الذاتية. ومحاولة استخدام آليات التنبيه في تلك المواقع للتحذير من المحتوى غير المناسب ليست آلية فعالة، وسط وجود عشرات الملايين من المستخدمين في فضاء مواقع التواصل الاجتماعي بشكل يومي.
العامل الآخر الذي يجعل مواجهة هذه التنظيمات صعباً، أنها لا تعتمد على مواقع التواصل الاجتماعي وحدها، بل لها طرق أخرى استثمرها تنظيم داعش؛ لإيصال رسالته، فقوته الإعلامية اليوم تعتمد على الفيديوهات، لا المقالات والبيانات المكتوبة، وفضاء الإنترنت يحوي آلاف المواقع التي يمكن استخدامها أو استحداثها لنشر هذه الفيديوهات، فضلاً على أن القنوات الفضائية نفسها تنشر هذه الفيديوهات من أجل إظهار بشاعة التنظيم، بينما يحاول هو إرسال رسائل حول قوته وإمكاناته إلى المتعاطفين معه أو خصومه.
في دراسة للباحث التركي محمد أوجون حول طرق مواجهة استخدام الإرهابيين للإنترنت، اقترح إستراتيجية تعتمد على إضافة تشريعات قانونية جديدة تتيح للقوى الأمنية ملاحقة الإرهابيين على الشبكة، وبناء علاقة مع مزودي خدمة الإنترنت واستثمارهم في مواجهة التنظيمات الإرهابية إلكترونياً. يبدو بأن مثل هذه الاقتراحات لا تصطدم فقط بمفهوم حرية التعبير وتداول المعلومات كأهم القواعد التي بنيت عليها خدمة الإنترنت، ولكن يصطدم أيضاً باستحالة التحكم في تدفق المعلومات في فضاء إعلامي مفتوح كالإنترنت، حتى لو شارك مزودو الخدمة ذاتهم في عمليات الرقابة والملاحقة. فمحاولات «تويتر» لدينا مثال صارخ على صعوبة توجه من هذه النوع.
تبدو محاولة إغراق شبكة الإنترنت بدعاية مضادة لدعاية التنظيمات الإرهابية إستراتيجية قابلة للنجاح على المدى القصير، إضافة إلى إغلاق الحسابات التي تدعم التنظيمات الإرهابية والتضييق عليها كما فعل موقع «تويتر» أخيراً، لكن مع تطور أدوات شبكة الإنترنت، واستحالة التحكم بها، يبدو أن المعركة مستحيلة على المدى الطويل.
المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Badar-Al-Rashad