كاتب سعودي
بدأت دبي بتقديم عروضها للفوز باستضافة معرض «اكسبو 2020» الذي يمثل منصة مهمة لمعالجة قضايا وتحديات النوع البشري وكل أنواع الأحياء الأخرى في همومها الكونية.
وتواجه دبي منافسة أربع مدن هي (حسب الترتيب الأبجدي العربي): إزمير التركية، وإيكاترينبرج (روسيا) وأيوتهايا (تايلند)، وساو باولو (البرازيل).
كيف لدبي المدينة الناشئة أن تواجه هذه المدن ذات الأسماء الرنانة وحفرت أسماءها أخاديد في التاريخ وما قبل التاريخ..
سنعرف المفارقة، والبصمة السرية السحرية، فقط حينما نتخيل أن دبي تقدمت لاستضافة المعرض قبل 50 عاماً فقط.. ماذا ستكون عليه الحال..؟
ستصبح دبي نكتة المواسم والمنتديات لو فعلت ذلك، أيام العوز والكفاف والعزلة، إذ كانت قرية تنتظر أن يعود الصيادون بعشاءات الأطفال الغرثى الكسيري الخواطر. وما كان سيدور بخلد حاكمها الفذ، آنذاك، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، أن يرمي بدبي في تيه المقامرات وأبعد من الدرواز، لتنافس أي مدينة أخرى، بما في ذلك مدن مجاورة. لأن دبي كانت مدينة ـ قرية تترعرع، في فضاء قاحل وموحش، يعافر سكانها الغبار وصبوخ البحر، وليس لها من قوة حضور إلا قبس من ومضات الضياء الحالمة في ذهن حاكمها الذي لم يكن يملك أية موارد مهمة ولا مقومات يعول عليها لتحقيق حلم يعتد به. ولكن الأمير الفذ أمسك بقبس الومضة، ومزجه بروح متطلعة كي يكون نوراً وضياء. ثم حول الضياء إلى شعلة تتقد، كذهن المؤسس وحلمه.
كل المدن التي يشعل ذكرها المجالس بالذهول، والتاريخ بالهيبة، ملكت مقومات استثنائية وجبارة وسيوفا وسياطا ومدافع لفتح التاريخ..
هذه لندن تجلب من مستعمراتها العمال وتلهب ظهورهم بالسياط كي يبنوا قطار الأنفاق الشهير. وقد قضت أجيال من العمال الهنود وغيرهم، نحبها، كي تهب للندن المجد وتاج التاريخ. وكذا باريس ونيويورك.. ومدن أخرى تملأ خريطة الدنيا اختيالاً وتتباهى بحضورها وإنجازاتها واختطاف المشهد الكوني.
دبي لم تحشد قوى استعمارية، ولا جحافل طماعين جشعين يحلمون بذهب يتجبس في عروق الأنديز أو الأطلس أو تحت مقدسات الجانج، أو يجري مع مياه نهر «لا بلاتا» في جوار بوينس أيريس، أو تجلبه خالدات فكتوريا انحداراً إلى ثرى الدلتا المصري. ولم تحول دبي الفلاحين إلى أقنان يعتصرون آلامهم من أجل أن تثمر حقول المستعمرات ولتنهب الخيرات إلى مدن فصائل الدماء النقية، ولم تسمهم سوء العذاب لينقلوا السيد على ظهورهم أو يغسلوا رجليه كي يستغرق في أفكاره الشريرة لاستلاب أرضهم وعقولهم وكرامتهم وومضات الأمل من عيونهم.
لم ترتكب دبي أياً من هذه الموبقات التي تخدش الوجه الوضاء لمدن البهاء. ومع ذلك قهرت دبي الظلام والعوز وحكم التهميش الأبدي، وصنعت شمسها الخاصة، وحليها وعطورها ونكهتها، بل وقامتها البهية وفتحت التاريخ بلا معارك حربية ودماء وثكالى وحزانى ومآتم..
وهنا سجلت دبي معجزة أخرى هي أن الفكر يمكنه ببساطة أن ينافس المدافع وينتصر..
وبذات السلاح تقدمت دبي لمقارعة مدن التاريخ. فهي إذا ما فازت باستضافة المعرض، فستعقده بعنوان «تواصل العقول.. وصنع المستقبل»، كأنما أرادت دبي أن تضفي روحها على المعرض لتمنح بعضاً من أحلامها وملامحها المعاشة لمدن لا تزال، طوال قرون، تعاصي الكيفية التي تتحول فيها الأحلام إلى واقع يركض على بساطه ملايين الناس وتعلو فيه قامة مدينة استثنائية تولعت بالتفرد منذ أن كانت قبساً في ومضات حلم «كان» محال التحقيق، وهو «الآن» قد هزم المحال وأصبح ألقاً يعانق الشمس، ومدينة باسلة..
وتر
تسند رأسها إلى سفح الجبل، إذ يمر الهلاعى..
تخفق شعورهم بالفتون..
يرفعون بنادقهم، ويحيون احتفالات الدم..
مروعة، توري خصل شعرها والظمأ وثرى الحقول.
الأفق يتلبد بالسواد ودخان البارود ونواح ثكالى..
وتلد الأيام أحزانها..
المصدر: اليوم السعودية