كاتب سعودي
ما هو الكائن الذي رأسه في أفغانستان ولسانه في قطر وجيبه في السعودية وقلبه في مصر ورصيده في اسطنبول وإجازته الصيفية في لندن والشتائية في كيب تاون وله من الإمعات أتباع كثيرون يرعد لهم فيمطرون نقودا ً ومتفجرات؟. ابحث في الفضائيات وستجده أمامك في نسخ متعددة.
الإِمَّعَة لا رأي له في ما يسمع ويرى، ينقاد باتكالية مع التيار دون السؤال عن الهدف والوسيلة والنتائج المحتملة. أيام حرب أفغانستان ضد الاحتلال السوفييتي تحولنا جميعاً إلى إِمَّعَات، والنادر الذي كان يريد السؤال عن غرائب وعجائب التحالفات في تلك الحرب يقمع ويوصم في دينه ووطنيته وأخلاقه وشرفه. الموضوع كان يباع للجماهير بغلاف ديني، جهاد مسلمين ضد كفار. القلائل ممن كانوا يجرؤون آنذاك على القول بأنها مجرد حرب أخرى بين القوتين العظميين على أرض إسلامية لأسباب استراتيجية لا علاقة لها بالإسلام والمسلمين كان يضطهد حتى داخل بيته.
من كان يتساءل عن سبب وجود الفلسطيني عبدالله عزام وكتائبه في بيشاور وليس في القدس كان يحثى في وجهه التراب، لأن المتصدرين من مشائخ الصحوة أقنعوا الناس بضرورة النفير في أرض أفغانستان المباركة، تمهيدا ً لتحرير القدس. من كان يشكك تلميحا ً في صحة انبعاث روائح المسك من قبور المجاهدين الأموات يوصم بالعلمانية وتشويه الجهاد والمجاهدين.
لاحقاً انقلب السحر على الجميع ، لكن ليس على السحرة. أصحاب الفتاوى ومتصدري المنابر وموزعي الأشرطة اكتفوا ببلع ألسنتهم فقط في تلك الجزئية الأفغانية. لم يعتذروا عن أخطائهم للجماهير ولم يعترفوا بأنهم شاركوا في التغفيل والبرمجة لأسوأ أنواع الإرهاب ضد مجتمعاتهم باسم الدين والجهاد في سبيل الله.
ثم مرة أخرى ، في الأسابيع الأولى لتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر لجت المنابر الصحوية ودبجت المقالات ووزعت التباشير ببداية الفتح لنقل الجهاد إلى ديار الكفار أنفسهم. ماهي إلا شهور قليلة ثم بلع الدعاة ومشائخ الصحوة ألسنتهم كالعادة ، لكنهم لم يدينوا ولم يجرموا ولم يحذروا من الإرهاب باسم الدين ومن عواقبه القادمة والمرعبة لكل ذي بصيرة وبصر .
آخر مصائب المنظرين الفضائيين التي ما زالت مستمرة. توريطهم لأجيال جديدة تجهل ماضيهم الانتفاعي المراوغ، للانخراط في عصابات النهب والسلب وانتهاك الأعراض وسرقة المساعدات الإنسانية في سوريا. ومرة أخرى لم يزيدوا على أن أداروا نفس الأسطوانات القديمة وأضافوا معجزات جديدة عن ملائكة بيض على خيول سماوية مطهمة تهبط من الأعالي لمؤازرة الشباب المجاهد ضد الطغمة الباغية.
بكل سهولة يزول التعجب من إصرار هؤلاء الدعاة على الاستمرار في التنفع والاسترزاق عند إدراك المصالح التي راكموها من أموال ووجاهات وحصانات اجتماعية وما وفروه لأنفسهم وبيوتهم من دفء ورفاهية ومتاع.
بالأمس قدم داوود الشريان في برنامج الثامنة مقابلة حوارية عن الحبل الطويل الذي ينتظم المسيرة الانتفاعية والتحريضية من وراء الجهاد الانتحاري الفوضوي ، والذي يقتنص الشباب الأغرار من بيوتهم ومن وراء أهاليهم ليزج بهم في المهالك خلف أفراد العصابات الإجرامية في سوريا.
داوود الشريان كان في ما مضى مثل الجميع ، مجرد إمَّعَة إعلامي أيام حرب أفغانستان، لكن الرجل فيما بعد استعمل عقله وأعاد النظر وقلب صفحات الجهاد المزعوم وقرأها جيدا ًوأدرك النتائج.
يقول الدعاة ومن خلفهم من الإِمَّعَات عن داوود أنه خادم عميل لصاحب منظومة الإم بي سي، وهم ظهروا ويظرهون بلحومهم وشحومهم وبمشالحهم وعطورهم على نفس القنوات، وحتى على القنوات اللبنانية الإباحية وقناة المنار وقنوات القذافي الهالك.
الانتفاعيون من شيوخ الفضائيات لا يطيقون كشف المستور، ويسهل فهم ذلك، ففيه تقليص مكاسبهم واحتمال تقديمهم للمساءلة الشرعية والاجتماعية في يوم ما.
على أن المشكلة الحقيقية ليست معهم ولا مع إمَّعَاتهم من الكهول الذين تمت برمجتهم قبل توفر الحقائق والأرقام ، وإنما مع الأجيال الشابة الجديدة من الذين يلبون دعواتهم إلى الانتحار، وأولئك الذين يدبجون المدافعات العاطفية عنهم ويملؤون الشبكات بالتغريدات الهابطة والتجريحية ضد من يجرؤ على فتح عقله وعينه على الحقائق ويجاهر بها. الويل لأمة من الإمعات تسكت على من يسوق فلذات أكبادها كالنعاج للموت في الخارج ، وهو متربع على أريكة فاخرة ومن حوله المباخر تعج بأدخنة التعمية والتخدير.
المصدر: صحيفة الجزيرة