مرت على المشهد الإعلامي سحابة سوداء بشعة أخيراً، وأمطرت تلك السحابة كراهية وعنصرية وتخويناً، ذهب فيه «المليح بعزاء القبيح» كما يقول المثل العربي.
والأخطر من هذا، هو ألا يؤدي الإعلاميون واجبهم بالتذكير مثلاً بأن سبب التغلغل الإيراني في لبنان ليس مرده «خيانة» وعدم امتنان «كل» اللبنانيين لدعم المملكة كما كتب البعض، وإنما قلة حيلة الأغلبية التي ترفض قلباً وقالباً ذلك التغلغل.
فكيف يقاوم اللبنانيون النفوذ الإيراني في وضع يتم فيه اغتيال كل شخص يتجرأ على تحدي هذا النفوذ، بدءاً برفيق الحريري، ومروراً بالقائمة الطويلة من سياسيي ومثقفي 14 آذار، الذين دفعوا بدمهم ثمن عدم الارتماء في أحضان الملالي.
ثانياً، لا بد أن تتم قراءة قرارات المملكة بشكل صحيح. فإيقاف الهبة السعودية للجيش اللبناني، والتلويح الخليجي المشترك بمراجعة العلاقات، كان من شأنه فقط تذكير المسؤولين اللبنانيين (والمسؤولين وحدهم) بأن لديهم ما يخسرونه إذا ما اختاروا البقاء، أو الصمت على البقاء، في المعسكر الإيراني.
من جهة ثانية، يخطئ «حزب الله» وأتباعه وعملاؤه – في لبنان أو خارجه – إن ظنوا أن تطاولاتهم يمكن أن تستمر دون محاسبة، ودون ردة فعل. ومن البديهي أن يكون أضعف الإيمان هو ملاحقة أي شخص (لبناني أو غيره) يعيش في بلد خليجي ويثبت دعمه لهذا الحزب الذي يدين بالولاء التام لطهران.
وهنا نصل إلى بيان مجلس الوزراء السعودي الأسبوع الماضي، والذي أفاد بأن الرياض بينما تشدد على قرار وقف الهبة، فإنها ستبقى تقف «إلى جانب الشعب اللبناني». وهنا لا أستطيع سوى أن أرفع شماغي احتراماً لهذا الموقف الحكيم، ولا يسعني سوى القول «يا ليت قومي يعلمون».
هذا لأنني، كإعلامي، أشعر بالخجل من بعض المقالات العنصرية التي هاجمت «جميع» أشقائنا اللبنانيين، بسبب أفعال «البعض». وعمد كتاب تلك المقالات إلى إهانة وتهديد كل لبنانيي الخليج، وليس فقط من يثبت دعمهم للمشروع الإيراني الذي أوصل لبنان، والمنطقة بأسرها، إلى حافة الهاوية.
ويجب ألا نسمح باختطاف الإعلام الرصين من قبل كتاب كهؤلاء، فالمعركة مع إيران يجب أن تبقى سياسية هدفها إيقاف تدخلاتها السافرة، وألا تتحول حرباً طائفية أو عنصرية مقيتة.
ولأن التخوين أمر سهل، هاجم البعض قناة «العربية» الأسبوع الماضي كذلك. وما أودّ قوله هو أن الأشخاص والإداريين الشرفاء الذين تطرقت إليهم تلك الحملة المسعورة هم من أكثر الصحافيين احترافية ومهنية في منطقتنا. ولا أحد يتوقع أن يعجب الجميع بكل ما تبثه وسيلة إعلامية ما، ومن حق أي شخص أن يعترض على المحتوى مهنياً، أما أن تطال الإهانات الأشخاص بعينهم، فذلك كمن يطلق النار من الخلف على رجل وهب نفسه ليدافع عنك وعن قضاياك!
المصدر: صحيفة الرؤية